لم يحصل في تاريخ الولايات المتحدة ان كان الفارق بين الرئيس الراحل والرئيس الاتي بمثل هذا العمق على الصعد الشخصية والسياسية والسلوكية. ترامب جاء لينقض لا ليكمل، وسوف يفعل ذلك بخشونة واستهتار، وهو عملياً بدأ ذلك حتى قبل دخوله البيت الابيض. في أيامه الاخيرة، يجد الرئيس أوباما نفسه يراقب بعجز كبير خلفه ترامب والحزب الجمهوري يحضران نفسهما لتنفيذ وعدهما الانتخابي بالبدء بتفكيك نظام العناية الصحية الذي أقره أوباما وحزبه في ولايته الاولى والذي يعتبره انجازه الأبرز خلال ثماني سنوات في البيت الأبيض. وقبل تحوله الى مواطن عادي يجد أوباما نفسه في موقع ضعيف مرة أخرى في مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كشف تخبط سياسته وافلاسها حيال الحرب في سوريا، بعد تدمير شرق حلب واحتلاله، وبعد تدخله السافر في انتخابات الرئاسة الاميركية. عندما انتخب أوباما كان بوتين رأس السلطة في موسكو، وبعد ثماني سنوات ها هو أوباما يرحل عن البيت الابيض وبوتين أقوى من أي وقت مضى بعد ضمه شبه جزيرة القرم وسلخه إياها عن اوكرانيا، وانقاذه نظام بشار الاسد بعد ارتكابه فظاعات كبيرة ضد الشعب السوري.
ويحاول أوباما، في حركة التفافية شبه يائسة، انقاذ قانون العناية الصحية المعروف باسمه، من خلال التخطيط مع المشرعين الديموقراطيين لانقاذ ما يمكن انقاذه من سكاكين الجمهوريين الذين سيحاولون الغاء معظم الخدمات التي يوفرها القانون، من غير ان يطرحوا أي بدائل عملية لتعويض ملايين الاميركيين الذين استفادوا منه وخصوصاً ذوي الدخل المحدود. ومن المتوقع بعد ان ينتهي الجمهوريون من تمزيقهم لقانون أوباما ألا يبقى فيه شيء يذّكرنا بصيغته الاصلية.
ولعل أكثر ما يحبط أوباما، هو ان خلفه ترامب يتصرف كأنه ينسق سراً مع بوتين. وحتى بعد اتهامات واشنطن لموسكو بالتدخّل في الانتخابات، بقي ترامب – متحدياً استنتاجات كل أجهزة الاستخبارات – يشكك ليس فقط في صحة الاتهامات ودقتها ويتساءل عن الادلة، بل يشكك أيضاً في صدقية اجهزة الاستخبارات الاميركية، ويذكر باخفاق هذه الاجهزة قبل حرب العراق عام 1991 حين ادعت خطأ ان هناك ترسانة من الأسلحة الكيميائية لدى بغداد.
الانجاز الخارجي الذي حققه أوباما كان في الاتفاق النووي مع ايران. ولكن حتى لو افترضنا بقاء الاتفاق، فانه لن يخفي حقيقة ان أوباما يغادر البيت الابيض، وهو يراقب فشله الذريع في سوريا يتحول كارثة انسانية تاريخية هي الابشع في القرن الحالي، وان بوتين من صانعيها.