يستعد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لزيارة المملكة العربية السعودية ودول خليجية على أن يزور سوريا وإيران في وقت لاحق.وتأتي زيارة عون الرئيس للسعودية بعد جفاء طويل وابواب مقفلة استمرت الى مرحلة ما قبل انتخاب الرئيس، كان سببها الأساسي انخراط عون في تحالف كامل مع حزب الله وايران والنظام السوري.
وتحاول المملكة اليوم استيعاب نتائج انتخاب عون عبر فتح الابواب الموصدة، لمعرفة ما لدى الرجل ليقوله وهو الذي أعطى نموذجاً في الشكل قبل انتخابه على قدرته على لعب دور متوازن، حيث حرص على استبدال خطابه المتشنّج بخطاب منفتح، ولا يزال بعد انتخابه يحرص على الانفتاح، من دون أن يخسر دعم حزب الله وثقته.
وبغض النظر عن برنامج الزيارة، وعمّا إذا كان الرئيس سعد الحريري سيحضر في المملكة ام لا، من خارج البرنامج الرسمي، فإنّ ملائكة الحريري كما شريكه في خيار انتخاب عون أي الدكتور سمير جعجع ستكون حاضرة في المملكة، التي استمعت الى رأي الرجلين مؤيّدة ضمناً انتخاب عون، في اعتباره الخيار الأقل كلفة، بعد وصول الفراغ الرئاسي الى مرحلة تهديد وجود الدولة والمؤسسات.
من الناحية العملية يرتبط نجاح الزيارة بما سيصدر بعد انتهائها، والأبرز الإفراج عن السياحة السعودية الى لبنان في الصيف المقبل، كذلك الإفراج عن الهبة السعودية للجيش اللبناني، وهذا مرتبط بموقف رئيس الجمهورية من القضايا الاساسية على الصعيد العربي، ومن العلاقات اللبنانية ـ السعودية التي كاد حزب الله يصل بها الى الصفر، فهل سيستطيع عون تقديم الضمانات المطلوبة للمملكة لكي تُستعاد هذه العلاقة؟ وهل يملك هذه الضمانات؟
ما يُنقل عن المسؤولين السعوديين في هذا المجال، يؤشر الى تفاؤل مردّه مصلحة الرئيس عون بنجاح عهده، والى تفاؤل عملي مردّه ايضاً العلاقة مع وزير الخارجية جبران باسيل التي قطعت اشواطاً من الايجابية، ومن الالتزامات الواضحة المُعلن منها وغير المعلن، وهو ما سيعطي فرصة لنجاح نسبي للزيارة، على أن تستكمل عملية ترميم العلاقة في المدى القريب.
في موازاة هذا التفاؤل تسأل اوساط سياسية عن قدرة عون على القيام بعملية إعادة بناء للعلاقة اللبنانية ـ السعودية، في ظلّ عدم توافر عاملين اساسيين لهذه العملية.
فالزيارة تحصل في وقت تعيش العلاقة الإيرانية السعودية اسوأ مراحلها، اما العامل الثاني فيتمّثل بعون نفسه، فالهامش الذي يملكه للذهاب بعيداً في بناء علاقات حارة مع السعودية ودول الخليج ضيق جداً بسبب العامل الاول، وأقصى ما يمكن أن يقوم به جولة علاقات عامة ديبلوماسية، لن تلبث أن تصطدم بالمعادلة المتفجرة في المنطقة، هذه الجولة لن تعارضها إيران لأنها تعرف أنّ الرئيس الحليف ملتزم «خطوطها الحمر»، ولا تمانع السعودية في أن تعطي الفرصة لها، علّ هذا التوازن الشكلي الذي يعبّر عنه عون يكرّس «مساكنة» في انتظار تغييرٍ ما في التوازنات الحالية، خصوصاً في مرحلة ما بعد تسلم الادارة الاميركية الجديدة مهماتها.
استثمرت السعودية في نموذج 14 آذار في لبنان مع الحريري، وفي فلسطين مع الرئيس محمود عباس وفي سوريا مع الثورة السورية، والى حدٍّ ما في العراق واليمن ومصر، فكانت التجربة مختلفة في كلّ نموذج، لكنّ تلك التجارب اجتمعت على قاسم مشترك، مؤدّاه أنّ مَن استثمر بهم، لم يستطيعوا تكوين قاعدة ثابتة قادرة على مواجهة النفوذ الايراني، وما يحصل اليوم بعد انتخاب الرئيس الحليف لحزب الله في لبنان، هو العودة الى سياسة الاحتواء الواقعية، التي جرّبتها المملكة في قمة الكويت، لفصل نظام الاسد عن إيران، فكانت النتيجة مزيداً من التصاق النظام بطهران، وسقط ضحايا سياسيون كثر، وبدأ انهيار سريع في صفوف 14 آذار، انتهى بعد سنوات بانتخاب رئيس وبتشكيل حكومة لحزب الله فيها القرار والنفوذ وغطاء السلاح في لبنان وسوريا.
ويبقى السؤال: هل تنتهي تجربة الانفتاح السعودي على عون، لإغرائه بالتموضع في المنطقة الوسط، كما انتهت محاولة جذب النظام السوري للابتعاد عن طهران؟
الاكيد أنّ التاريخ لا يكرّر نفسه، لكنّ الوقائع المتشابهة تفرز نتائج متقارِبة، فعون لا يمكن أن يمتلك القدرة على تجاهل أنّ المدخل الى علاقة جيدة مع الرياض تمرّ بطهران، فالضوء الاخضر يأتي من هناك، وخلاف ذلك لا بأس من تنظيم الرحلات الرئاسية الفضفاضة، ولا بأس من مشاهدة مظاهر الاحتفاء بالضيف (ستكون على مستوى عالٍ من التكريم)، لكن بعد الانتهاء من كلّ ذلك سيكون رئيس الجمهورية امام تحدي اتخاذ المنحى المطلوب، لإعادة علاقة لبنان الطبيعية مع العالم العربي، فهل يملك عون القدرة على اتخاذ هذا القرار؟ أو الأصح، هل يملك شركاؤه في 14 آذار القدرة على اتخاذ هذا القرار؟