رغم فاجعة اسطنبول التي هزّت لبنان الذي فَقَدَ 3 من أبنائه في الهجوم الإرهابي، فإن بيروت نجحتْ في إثبات «جدارة أمنية» عبر إدارة عملية الانتقال من عامٍ الى عام بـ «صفر أحداث»، الأمر الذي ساهم في تعزيز مناخ الإنفراج السياسي في البلاد التي استردّت «عدّتها» الدستورية مع انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية (بعد فراغ 30 شهراً) وتشكيل حكومة إئتلافية هي على موعد مع إجتماعها الأول غداً الأربعاء.
وتترافق انطلاقة الحكومة برئاسة سعد الحريري مع تَعاظُم الأجواء الإيجابية في لبنان، الذي نجح في وقف الإنحدار المريع في مؤسساته وحياته السياسية عبر إمرار تسويةٍ داخلية بضوء أخضر إقليمي، من المرجح أن تُستكمل فصولاً من خلال معاودة «تعويم» الدولة وتصويب علاقات لبنان الخارجية، وخصوصاً في ضوء التناغم القائم بين رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري وتَفاهُمهما حول أولويات المرحلة المقبلة.
ويسود انطباعٌ في بيروت بأن تفاهُم عون - الحريري قد يشكل «فرصة نادرة» لمعاودة تعويم آلة الحكم بعدما كاد لبنان يتحول «دولة فاشلة» على مدى عامين ونصف عام من ترنُّح مؤسساته الواحدة تلو الأخرى، من دون إغفال المصاعب التي ستواجه عون - الحريري وسط تحديات داخلية لا يُستهان بها، وتحديات إقليمية لا يمكن التقليل من وطأتها وتداعياتها و... أثمانها.
فرغم أن التسوية التي جاءت بالعماد عون رئيساً للجمهورية وأعادتْ الحريري الى رئاسة الحكومة، وضعت جانباً الخلافات الحادة في شأن الموقف من الصراعات الدائرة في المنطقة لا سيما في سورية، وأدارت الظهر لمشاركة «حزب الله» في الحروب الإقليمية، فإنها ستكون معرّضة على الدوام لـ «نيرانٍ صديقة» في سعيها لإعادة التوازن الى السلطة، والاختبار الأهمّ في هذا المجال سيكون إقرار قانون جديدٍ للإنتخابات.
والثابت حتى الآن أن لبنان يتّجه الى فتح ورشة متدرّجة وفي إتجاهات عدة تفيد من المناخ الإيجابي وتطلق رسائل واعدة، ولعل الأبرز في هذا السياق:
* جدول أعمال أول اجتماع لمجلس الوزراء غداً، والذي ينطوي على إجراءات بالغة الدلالة والأهمية تتعلق بالملف النفطي الذي إحتجزته الصراعات السياسية على مدى أعوام، وملف الاتصالات الذي خضع في فتراتٍ سابقة لتجاذبات صاخبة، وهو مؤشر الى إتجاهٍ حاسم لاستنهاض الإدارة توطئةً للتصدي للملفات الأكثر شعبية كتلك الخدماتية.
* المعلومات التي تحدّثت عن أن الرئيس ميشال عون يعتزم ترؤس اجتماع طارئ لمجلس الدفاع الأعلى بعد غد الخميس، وهو الذي يضمّ رئيس الحكومة وعددا من الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية، يُخصص لتقويم الوضع الأمني في البلاد والسعي لسدّ بعض الثغر وتعزيز التنسيق بين الأجهزة لضمان حماية الاستقرار الذي ينعم به لبنان.
* بدء إطلالة العهد الجديد على الخارج انطلاقاً من زيارةٍ مزدوجة يعتزم الرئيس ميشال عون القيام بها للمملكة العربية السعودية في التاسع والعاشر من الشهر الجاري ومن ثم لقطر، وهو التحرّك الذي ينطوي على محاولة لمعاودة انتظام علاقات لبنان مع دول الخليج العربي بعد الانتكاسة التي أًصابتْها بسبب ما إعتُبر «هيمنة حزب الله على قرار الدولة اللبنانية».
ومن المنتظر أن يفضي تحرك عون الخليجي الى نتائج فورية ومباشرة من بينها رفْع دول مجلس التعاون الخليجي الحظر عن سفر رعاياها الى لبنان وتعزيز حضورها الديبلوماسي فيه، إضافة الى معاودة تحريك مساعدات كانت مقرَّرة سابقاً للبنان.
ومن شأن هذا التحرك، في رأي دوائر مراقبة في بيروت، إعادة التوازن الى سياسة لبنان الخارجية على النحو الذي من شأنه الحدّ من تداعيات الصراع الإقليمي على الأوضاع اللبنانية، وخصوصاً وسط اعتقادٍ داخلي وخارجي بأن تورُّط «حزب الله» في سورية وغيرها من الساحات يتجاوز قدرة لبنان وبات على صلة بالمآل الذي ستنتهي إليه أزمات المنطقة.