الأولى : يجب العمل على إعادة توزيع المحاكم على المستوى الجغرافي، بما يساهم في تلبية احتياجات الناس، التي تتضاعف و تتغير مع تقادم السنين.
و هذا الأمر يفرض استحداث محاكم شرعية في أكثر من منطقة، كما قد يؤدي لتعديل أماكن بعض المحاكم، فمن ناحية يفترض استحداث محكمة جعفرية لمنطقة ساحل المتن الشمالي، التي يسكنها قرابة الخمسين ألف نسمة، و قد يكون هناك نقص بالمحاكم في بعض الأقضية، و هذا ما يمكن استكشافه من خلال دراسة ميدانية لمواضع المحاكم و عدد المواطنين الشيعة الذين يستفدون منها، و لنأخذ مثلاً آخر بالنسبة لمحكمتي بعبدا و الشياح، فإن هاتين المحكمتين متقاربتان جغرافيا كثيراً ! في حين أن عمق الضاحية يخلو من محكمة جعفرية، علما أن نسبة السكن فيه كثيفة جدا، حيث الإكتظاظ البشري هو الأهم لدى الشيعة في لبنان.
الثانية : إن القوانين تلزم بأخذ رأي الهيئة الشرعية في المجلس الشيعي بالنسبة لمن يرغب بالإلتحاق بسلك القضاء الشرعي الجعفري.. و لكن هذا الأمر لم يطبق من الفترة التي توفي فيها الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين…
و تاليا فإن ذلك يؤدي للطعن بصحة تعيين كل قضاة الشرع في هذه الفترة!!
حيث إن البند الثالث من المادة ٢٨ من النظام الداخلي للمجلس الشيعي تنص على أن من صلاحية الهيئة الشرعية :( البت بقبول أو رفض طلبات المرشحين الراغبين في دخول سلك القضاء الشرعي الجعفري و موظفيه، و ذلك بصورة مبرمة.).
إقرأ أيضا : إصلاحاً للخلل القانوني في المجلس الشيعي (٥)
الثالثة : لعله لم يمر فترة على القضاء الشرعي الجعفري كما مرت عليه هذه الأيام، حيث كثرة الشواغر الرّاهنة، و لا يقتصر الشغور على أكثر من خمسة قضاة شرع، بل حتى منصب رئيس المحاكم شاغر حاليا،و الملفت أنه حتى خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية لم يشغر هذا الموقع ! و قد مضى على شغوره أكثر من عام !!!
و طبعا لا يستقيم وضع القضاء الجعفري في ظل هذا الشغور الكبير !
و لعل الواجب كان يحتم أن نبادر لإستحداث بعض المناصب القضائية لا ترك أكثر من ٥ مواقع قضائية شاغرة لعدة سنوات !!!
و أما على مستوى رئاسة المحاكم فالمفترض العمل بالنصوص القانونية الملزمة بتعيين أقدم المستشارين في هذا الموقع.
إقرأ أيضا : إصلاحاً للخلل القانوني في المجلس الشيعي (٤): علاقة المجلس الشيعي بالإفتاء الجعفري
الرابعة: إنّ منصب القضاء الشرعي يتسم بالطابع الوطني العام، و يخص كل المواطنين الشيعة اللبنانيين، بل و غيرهم أيضا من المقيمين على الأراضي اللبنانية، و ينبغي أن لا يتم قبول ترشيح أي من الحزبيين لهذا الموقع بتاتاً ، أسوة بما هو معمول به لدى أخواننا السنّة، كما أن الأنظمة الرسمية تؤكد على هذه النقطة، و دخول الحزبيين إلى القضاء الجعفري حديث جدا، حيث بدأ بمرحلة متأخرة، و أما لدى السنّة فلم يتمكن الحزبيون من احتلال المناصب القضائية، حيث إن دار الفتوى ترفض قبول ترشيح أي عالم ديني سني ينتمي لأي حزب لأي موقع ديني رسمي، سواء كان في الإفتاء أو القضاء ..
و من ناحية مبدئية أن الذي يتولى مهام القضاء ينبغي أن يتحلى بجملة أمور منها حياديته، و هذا الشرط لا يتوفر في الحزبي، الذي يعمل ضمن مجموعة سياسية لها مصالحها و أجندتها الخاصة، و تسعى دائما لتوسيع نفوذها و حضورها، الرسمي و الشعبي و السياسي!!!
لذا فإن كل حزبي يترشح لموقع القضاء يطعن بشرعيته، و لا صحة لتعيينه، و المفترض أن الحزبيين مجال عملهم محفوظ لدى الأطر التي ينتمون إليها، و لتترك هذه المواقع لعموم أبناء الطائفة الذين يتحلون بالمؤهلات المطلوبة.
الخامسة : كي لا يتم الطعن بصحة وظيفة المرتبطين بقوى سياسية من القضاة; فيحسن بهم المبادرة لترك هذه الأطر، و الإلتزام بأخلاقيات العمل القضائي النزيه.
و بالمناسبة فإننا نلحظ تساهلا ملفتا في حضور بعض القضاة للمهرجانات السياسية، و للتواصل مع السياسيين…
السادسة: و إن كان لقضاة الشرع خصوصية معينة، لكونهم رجال دين، لكن هذا لا يعني عدم تفيعل آليات الرقابة و المحاسبة .. محاولة لضبط مسار هذه المؤسسة ..
كما ينبغي ضبط الرسوم المالية .. بشكل تسود فيه الشفافية و المصداقية، في هذا المكان الذي ينشد منه الناس نشر العدالة، و رفع المظلومية ..!!
و أخيرا : و بالرغم من كون الإمتحانات هي وسيلة تبوء منصب القضاء الشرعي، بما يعني أن الأجدر هو المفترض وصوله لهذا الموقع، و لكن هذا لا يعني أن لا نسعى لإيجاد آلية تحفظ عدم تجاهل علماء الدين الموجودين في الأطراف، بأن يكون هناك قضاة شرع من كل المناطق .. بشكل متوازن.