في مطلع عام ٢٠١٧، يتمنى كل إنسان طبيعي أن يزول الإرهاب وأن تعيش المجتمعات كلها من الشرق إلى الغرب في أمن وسلامة، وأن يكف المجرمون عن قتل الأبرياء مثلما حدث في كارثة إسطنبول ليلة رأس السنة. لكن المأساة أن هذه التمنيات تكاد تتحول إلى أحلام مع أحداث تتسم بالتأزم والتشدد والحروب وقيادات عالمية متعطشة للسلطة وللهيمنة والبقاء والانعزال. إن وقف إطلاق النار في سورية فرضه فلاديمير بوتين مشعل النار فيها مع حليفه الإيراني ليحمي نظاماً خرب بلده كي يبقى على رأسه محكوماً من أسياده الروس والإيرانيين. بوتين الذي فرض وقف إطلاق النار بعد أن أفرغ قنابل طائراته على المواطنين السوريين الأبرياء واستخدم سلاحه المتطور لدفع صناعته الحربية، هو الآن المقرر الأكبر بالنسبة إلى من يفاوض ومن يشارك في مفاوضات كازاخستان. وعلى رغم كل ما يقال عن علاقات وثيقة بين عدد من الدول العربية وروسيا، فقد استبعد أي دولة عربية عن المفاوضات، حتى أن سورية الأسد والنظام لن يكون لها أي صوت في مفاوضات آستانة، ذلك أن بوتين يقرر والأسد ينفذ. حتى إيران ستتعامل مع بوتين من منطلق أنه المقرر الوحيد في مصير سورية.
نجح الأسد في حربه ضد شعبه أن يسلم بلده والمنطقة إلى روسيا وشريكها المرحلي إيران. فما هي هذه الحرب ضد الإرهاب التي يزعم بوتين والأسد أنهما يقودانها فيما يسكتان عن استعادة «داعش» تدمرَ؟
كيف يكون عام ٢٠١٧ لملايين من اللاجئين السوريين والنازحين وأطفالهم المشردين؟ وكيف يزول الإرهاب مع أجيال صاعدة من دون دراسة، منزوعين من جذورهم وبلادهم ومنتشرين في مخيمات الشرق والغرب؟ وكيف ينجح العالم في مكافحة الإرهاب المجنون والمجرم وتأتي إليه قيادات تريد عزل المسلمين وتخلط بين الإرهاب والدين الإسلامي، كأن كل مواطنيها المسلمين مجرمون؟ فاليوم ودونالد ترامب يتسلم بعد أقل من ثلاثة أسابيع الرئاسة في الولايات المتحدة، السؤال المطروح: كيف يكون عام ٢٠١٧ أفضل للعالم وهو شريك وصديق حميم لفلاديمير بوتين؟ وهل يلتزم ترامب خلال رئاسته الولايات المتحدة كل الأفكار المتطرفة التي صرح بها في حملته؟ ومن يصل إلى الرئاسة في فرنسا، هل هو فرنسوا فيون الذي أكد خلال انتخابات الحزب التمهيدية أن هنالك مشكلة في الإسلام وهناك ٦ مليون فرنسي مسلم؟ أو الكارثة الأكبر أن تصل مارين لوبن إلى الرئاسة وتطرفها وتشددها إزاء المسلمين والأجانب معروف، أو أن أمانييل ماكرون وزير هولاند السابق يفاجئ الجميع ويصل إلى الرئاسة؟ في حين لا يُعرف شيء عن مواقفه حيال هذه القضايا التي لم تظهر بعد.
الخبر المؤكد الوحيد أن الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شخصية تحظى باحترام وتقدير كبيرين في الأوساط العالمية، وأنه رغم تقيد مهمته بقرار الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن سيكون أكثر مهارة من سلفه بان كي مون. ولكن، عموماً هناك عدم يقين حول تغييرات قيادات وسياسات في الغرب وهيمنة بوتين وبقاء الأسد في سورية واستمرار السياسة الإيرانية المعادية في المنطقة كلها أسئلة مطروحة بالنسبة إلى السنة الجديدة التي بدأت بكارثة إسطنبول، فالتشاؤم أقوى من التفاؤل إزاء التوقعات أمام هذه التغييرات.
أما لبنان فتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين رئيس للحكومة وتشكيل حكومة. والسؤال يبقى: هل تتمكن هذه الحكومة من توفير أدنى متطلبات الحياة الكريمة من أمن وكهرباء ومياه واتصالات أفضل؟ هذه الأسئلة تطرح شكوكاً رغم إرادة الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري القوية التي تم التعبير عنها. لكن استطلاعات تلفزيون lbci أظهرت أن أقل من ٣٠ في المئة من المشاهدين يثق في أن الشعب اللبناني سيحصل على ما وعد به من الحكومة والرئيس. والتمني أن تظهر السنة الجديدة أن هؤلاء على خطأ وأن الأمور ستنطلق إلى الأفضل، فالاحلأم مسموحة في مطلع السنة، والأمل بأن تتحول إلى واقع.