بالتأكيد لم يدخل في حسابات حزب الله، ومنذ انخراطه في الحرب السورية التي تجاوزت الخمس سنوات، أن يدفع ثمن أي تسوية تنهي هذه الحرب، وأن يكون ضحية أي حل إقليمي أو دولي للأزمة السورية. كذلك فإنه لم يتوقع أن تتوصّل الأطراف المشاركة في هذه الأزمة إلى اتفاق لإنهاء المأساة السورية بمعزل عن إيران ولا يكون لها اليد الطولى في وضع بنوده.
وبات واضحًا أنه بعد الاتفاق الروسي التركي الذي تم في أنقرة لوقف إطلاق النار الشامل في سوريا أن اللعبة الإقليمية والدولية أصبحت أكبر من الجميع، وأن المنطقة بما فيها لبنان باتت تحت المظلة الروسية التركية سيما وأن الاتفاق حصل بمعزل عن الولايات المتحدة الأميركية وعن القيادتين الإيرانية والسورية، ويقضي بانسحاب كافة القوى الخارجية المقاتلة في سوريا بمن فيهم حزب الله، خصوصًا بعد المطالبة التركية العلنية بخروج الحزب من سوريا كما باقي الفصائل الأجنبية المسلحة. هذا المطلب الذي كشفه الأتراك قد يكون بحث رسميًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووافق عليه بعد التأكيد على تقليص عدد قواته في سوريا بحيث يكون ذلك مثالًا للآخرين عليهم اتباعه.
وشدد بوتين وهو يتحدث عن الاتفاق على حزمة إجراءات لمراقبة وقف إطلاق النار واستعداد الأطراف لبدء مفاوضات السلام.
أمام هذا التشديد فإنه من الصعب أن يقوم أي طرف حتى ولو كان خاسرًا في هذا الاتفاق أن يقوم بأي عمل من شأنه تخريب هذه العملية.
أقرا أيضا:التخلّف يجتاح عمق العقل العربي.
وتجدر الإشارة إلى أن إيران من أكثر الأطراف خسارةً جراء هذا الاتفاق لأنها كانت تريد الحسم عسكريًا وإبقاء الرئيس بشار الأسد إلى الأبد وتحصين وجودها مع حزب الله في سوريا تمهيدًا لبناء قاعدة بحرية غير بعيدة عن القاعدة البحرية الروسية. لذا فإنها كمن يبلع الموسى، لكن من دون أن تبدي عجزها عن الإقدام على أي خطوة، مكتفيةً ببيانٍ صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية يرحّب بهذا الاتفاق.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر سياسية أن قيادة حزب الله تترقب أوامر روسية عبر إيران بضرورة أن يبدأ الحزب بإجلاء عناصره من مختلف المدن السورية مثل غيره من الميليشيات الأجنبية المسلحة سواء الداعمة للرئيس السوري بشار الأسد أو المعارضة له والذي سارع إلى تأييد اتفاق وقف إطلاق النار بغية التحرر من أي التزام أخلاقي أو سياسي تجاه الحزب، خصوصًا أن من حسموا المعركة في حلب هم الروس وليست إيران أو الميليشيات التابعة لها وفي مقدمتهم حزب الله. وبالتالي فإن الأسد لا يريد أن يتحول إلى رهينة للحزب وللميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية التي تقدر أعدادها بعشرات الآلاف والتي يمكن أن تتحول لاحقًا إلى ورقة ضغط إيرانية عليه.
وفي ظل هذا المناخ الذي يسيطر على الأجواء السورية فإن حزب الله يستنتج من روحية اتفاق وقف إطلاق النار عزم روسيا على فرض تسوية لا تتناسب مع أجندته ولا تراعي مصالحه. وأنه سيدفع ثمن أي تسوية تتيح لإيران شراكة في الحل السوري. علمًا بأن كافة التحليلات تجمع على أن طهران ستكون خاضعة للاتفاق الروسي التركي بسبب قصور قواتها على الجبهات السورية عن الدفاع عن النظام السوري. وإقرارها بأن العامل الروسي فقط هو من حسم المعركة في حلب، وأن غياب هذا العامل يؤدي إلى انهيار كافة القوى المدافعة عن النظام كما حصل في تدمر.
إقرا أيضا:الشمس تشرق من جديد على لبنان
وكان صحيفة إيزفيستيا الروسية في مقالٍ لها أن اتهمت القوات الخاصة التابعة لحزب الله بالقيام بعمليات اغتيال لقادة ميدانيين من المعارضة السورية في إدلب، وهذا يعكس موقفًا سلبيًا روسيًا من أنشطة الحزب، الأمر الذي كان مبعث قلق وامتعاض قيادة حزب الله، وعليه فإنه وبناءً على التطورات في الميدان السوري السياسية منها والعسكرية يمكن فهم المواقف الإيجابية والتصالحية التي يقدِم عليها حزب الله على الساحة الداخلية اللبنانية، والتي تجلّت بتسهيل تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري وممارسة عملها، والتعاطي بإيجابية مع خصوم الأمس ومنهم سمير جعجع، وقد يكون ذلك تحضير الواقع اللبناني لاستيعاب تراجع حزب الله من سوريا وانكفائه إلى الداخل اللبناني، مع ما يترتّب على ذلك من الحاجة إلى التماهي مع الشرعية اللبنانية والتعايش في ظل المؤسسات الدستورية.