أثار قرار مجلس الوزراء المصري بإحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية إلى مجلس النواب، والذي بموجبها ستتنازل مصر عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية، تساؤلات حول مدى امتثال الحكومة المصرية لأحكام القضاء خاصة وأنها ترفض بذلك حكمين قضائيين سابقين برفض الاتفاقية.
ولوّح محامو دعوى بطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية بالمادة 123 من قانون العقوبات والتي تنص على "معاقبة كل موظف عام امتنع عن تنفيذ حكم قضائي بالحبس والعزل"، موضحين أن "إرسال مجلس الوزراء الاتفاقية للبرلمان يعد مخالفة للقانون يوجب حل الحكومة".
وقال مالك عدلي، أحد محامي الدفاع فى دعوى بطلان الاتفاقية، إن "إحالة الاتفاقية للبرلمان حلقة أخرى من مسلسل انتهاك الدولة للدستور والقانون"، مؤكدا أن "مجلس الوزراء لا يملك من الأساس سلطة التوقيع على اتفاقيات دولية بحكم الدستور".
وكتب عدلي على "فيسبوك" أن "لا أحد يملك التنازل عن أرض مصرية بحكم الدستور، ولا يملك المضي في إقرار اتفاقية باطلة بحكم القضاء".
ووصف عدلي إرسال الحكومة الاتفاقية للبرلمان بأنها "خطوة تؤكد انتصارهم في معركتهم القانونية".
الحكومة تخالف القانون
أستاذ القانون الدستوري الدكتور شوقي السيد، أوضح أن "الحكومة وضعت نفسها تحت طائلة المادة 123 منذ توقيعها الاتفاقية في نيسان الماضي"، موضحًا أن "إرسال الاتفاقية إلى البرلمان دون انتظار للطعن النهائي المنظور أمام المحكمة الإدارية العليا بشأن القضية، والمحدد للحكم فيه جلسة 16 كانون الثاني المقبل يعد استخفافًا بأحكام القضاء".
وكانت محكمة القضاء الإداري رفضت في 8 تشرين الثاني، اعتراضاً قدمته الحكومة بشأن تنفيذ الحكم الذي أبطل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، مع انتظار قرار نهائي من المحكمة الإدارية العليا المقرر انعقاده كانون الثاني المقبل.
وأشار أستاذ القانون الدستوري إلى أن "ما يحدث حاليًا معناه أن القضية تسير في مسارين أحدهما قضائي، والآخر بين يدي السلطة التنفيذية، وهذا يسمى تصادم في السلطات، وفي النهاية لن ينفذ سوى الحكم القضائي".
وأشار السيد، إلى أن "الإدارية العليا عادة ما توافق على حكم القضاء الإداري"، متوقعاً أن "يكون الحكم المقبل ببطلان الاتفاقية، وبالتالي فإن البرلمان لن يكون له رأي، وفي حال مخالفته للقضاء يجب حله على الفور".
حل البرلمان والحكومة
ويدعم هذا الرأي أيضاً الدكتور رأفت فودة، أستاذ القانون العام، بجامعة "القاهرة"، الذي أكّد أنه "في حال مخالفة الحكومة أو قيام البرلمان بإبداء رأيه في الاتفاقية قبل انعقاد جلسة "الإدارية العليا" المقررة في كانون الثاني فإنه يجب حل الحكومة والبرلمان معًا، لأنه ذلك يعد مخالفة صريحة للقانون".
وقال فودة: "إن ما تفعله الحكومة حاليًا سواء بموافقتها على الاتفاقية أو إرسالها للبرلمان، ما هو إلا إجراء روتيني ليس له أي قيمة لأن الأوراق حاليًا في يد القضاء".
وتابع: "في حال مخالفة "الإدارية العليا" للتوقعات وموافقتها على توقيع الاتفاقية، فليس للبرلمان أو الحكومة رأي أيضًا، ويجب الالتزام برأي المحكمة".
وأشار فودة إلى أن "المحكمة تناقش في الوضع الراهن: هل الجزيرتين تابعتين للحدود المصرية أم للحدود السعودية، ومع فحص الأوراق والمستندات التي يقدمها الطرفان ستصدر حكمها الأخير".
وكان المحامي خالد علي، عضو هيئة الدفاع عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير أكد أن "قرار الحكومة المصرية بالموافقة على اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية، فيه نوع من عدم احترام أحكام القضاء أو الدستور المصري".
وقال علي في تصريحات صحفية: "هناك حكم قضائي بأحقية مصر في جزيرتي تيران وصنافير، والحكومة استشكلت عليه في القضاء الإداري وتم رفض الاستشكال، وأصبح الحكم واجب النفاذ، لأن أحكام القضاء الإداري واجبة النفاذ، إلا إذا رفضتها المحكمة الإدارية العليا".
وأضاف علي: "لو لم يصدر حكم قضائي لكان من حق الحكومة المصرية اتخاذ قرارها الأخير، ولكن هناك حكم قضائي بأحقية مصر في الجزيرتين، والاتفاقية باطلة بحكم القضاء، ولا يجوز عرضها على البرلمان، ولكنها محاولة من الحكومة لخلق نزاع وهمي حول صراع سلطات، وتكون هناك مشكلة بين بين القضاء والبرلمان، وتقديري أن هذا ينطوي على عدم مهنية كبير، ويعكس انهيارا في أداء الدولة المصرية".
وأردف علي قائلاً: "حكم الإدارية العليا يوم 16 كانون الثاني، ليس له علاقة بإجراءات الحكومة، وأتوقع أن تحيل الحكومة قرارها لمجلس النواب قبل موعد حكم المحكمة الإدارية العليا، ومجلس النواب يتخذ قراره، والمحكمة ستصدر حكمها. وقتها سيكون هناك تدخلا في أعمال السلطة القضائية. ولكن سنكمل طريقنا القضائي، وقرار الحكومة باطل وما بنى عليه باطل، والشارع سيكون له عامل في ذلك".
واختتم علي بأن "حكم المحكمة قال إن القضية باطلة ليس في الشكل ولكن لأن الأرض مصرية، ولا يجوز للبرلمان ولا للحكومة التنازل عنها، ولكنّنا أمام سلطة لا تحترم القانون والدستور، وأتينا بكل المستندات منها خريطة طبق الأصل من عام 1912، تثبت مصرية الجزيرتين، وما يحدث من الحكومة يعطي رسالة للشعب بأنها ستفعل ما يروق لها".
(هافنغتون بوست)