لم تستفق القوى السياسية المعترضة على خيار «التسوية غير المتكافئة»، التي بدأت بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً، من صدمتها بعد. ففيما الاندفاع «المستقبلي» و»القواتي» مستمر في استثمار هذه التسوية وتظهيرها على أنها «انتصار مبين»، تنكفئ قوى الاعتراض الى مربّع الصمت، وتفتقد المبادرة على رغم أنّ ما حصل منذ ما قبل انتخاب عون، بات يتطلّب أكثر من مبادرة.على سبيل المثال لا الحصر، يَنبري معارض الساعة الخامسة صباحاً الدكتور فارس سعيد، على «التويتر»، فيطلق تشخيصاً يومياً لمرض الاستسلام لـ«حزب الله» وللنفوذ الايراني.
المعارضة السعيدية الصباحية لا تنقطع طوال النهار، لكنها لم تتحول بعد مبادرة تجمع من رفضوا انتخاب حليف «حزب الله» رئيساً، ومن عارضوا تشكيل حكومة بشروط «حزب الله»، ومن سيعارضون إقرار قانون انتخاب لـ«حزب الله» فيه اليد الطولى، ومن سيعارضون سيطرة «حزب الله» على السياسة الخارجية للبنان.
السؤال الدائم بالنسبة الى منسق الامانة العامة المُحالة قسراً الى التقاعد من قبل قوّتين أساسيتين من «14 آذار»: هل يمكن وضع إطار لجمع القوى التي بقيت على موقفها رفضاً لتمدد النفوذ الايراني في لبنان؟ وما هي الشروط الداخلية والخارجية لكي ينجح هذا الاطار، ولكي لا يكون نسخة مكررة عن لقاءات موسعة، لا تترك أثراً ولَو لساعات بعد انتهاء الجلسة الاولى؟
من هذه الشروط توافر غطاء عربي، وتحديداً سعودي، وتوافر قدرة داخلية على جمع القوى السياسية والشخصيات المستقلة تحت عنوان إنقاذي لا انتخابي، وهذا ما يجب العمل عليه، ربما تتوافر شروطه وقد لا تتوافر، وفي الانتظار فإنّ «التويتر» التذكيري يبقى على فعاليته، على رغم أنّ هذه «التويتات» القليلة،تقطع أكثر فأكثر مع حلفاء الأمس، مبقية على «شعرة معاوية»، الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
يسأل سعيد ويقارن: إتهمونا بأننا وقّعنا اتفاق العار عندما اتفقنا على التحالف الرباعي مع «حزب الله» في العام 2005. ذاك الاتفاق مَكّنَنا من إجراء الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة أكثرية لـ»14 آذار»، كما أخرج قادتنا من السجون وأعادهم من المنافي، وحققنا المحكمة الدولية، فماذا اليوم عن مسلسل التراجع امام «حزب الله» وتمكين النفوذ الايراني من لبنان؟ ألا يساوي ذلك مفعول مليون تحالف رباعي؟
ولماذا لم ينتظروا وضوح المشهد الدولي والاقليمي قبل تقديم التنازلات لـ»حزب الله»؟ على الأقل كان يجب انتظار بداية ولاية (الرئيس الاميركي المنتخب) ترامب، وتَلمّس ما يجري بين الاتراك والروس في سوريا، واستثمار نقاط ضعف «حزب الله»، وليس تمكينه من الاستقواء على اللبنانيين».
يبقى التحدّي امام القوى المعترضة على المسار الحالي تأسيس معارضة وطنية. لا يكفي ان تعترض قوى مسيحية على الثنائي المسيحي، أو قوى سنية على تيار «المستقبل»، ولا يكفي أن تكون مجموعة كاملة من الشخصيات المستقلة في خانة الاعتراض، فالمطلوب قيام معارضة تجمع الجميع، تحت عنوان «مواجهة النفوذ الايراني في لبنان»، حيث بات «حزب الله» الاقوى بين ضعفاء، يحاورهم فرادى ويُغريهم بالمكاسب فرادى، ويوقّع اوراق التفاهم معهم فرادى، وهذا ما ادى وسيؤدي الى اختلال ميزان القوى لبنانياً، بغضّ النظر عن موازين القوى في سوريا، وعن تأرجح الحزب بين انتصار عسكري في حلب، وخسارة سياسية أنتجها الاتفاق الروسي ـ التركي.
لا تشير المعطيات حتى الآن الى أنّ الطريق معبّدة لخلق إطار وطني معارض بالحجم والفعالية اللذين كان عليهما «لقاء البريستول»، سواء من القوى الموجودة داخل المجلس النيابي أو خارجه. ففي الجلسة النيابية الاخيرة، لم ترقَ أيّ من كلمات المعارضين الى مستوى المعارضة الجدّية، باستثناء كلمة النائب سامي الجميّل التي خرقت جدار الصمت.
امّا خارج المجلس فإنّ الاعتراض الخجول ما زال سيّد الموقف، باستثناء شخصيات قليلة، أبرزها سعيد واللواء أشرف ريفي الذي رفض «الاعتراف بمبررات قبول الاستسلام لـ»حزب الله»، وينتظر لهذا الرفض ان يعبّر عن نفسه في كل المحطات المقبلة الانتخابية منها وغير الانتخابية.
في غياب المعارضة الوطنية الفاعلة والمتماسكة، يتوسّع «حزب الله» أكثر فأكثر في تعميق نفوذه، مستثمراً الشراكة الجديدة غير المتكافئة الأوزان مع الشركاء في السلطة، وغياب الفراغ الناتج من انهيار صيغة «14 آذار» تنظيمياً وسياسياً، وهو الاستثمار الأنجح الذي حققه بعد إنهاك هذه القوى وبعدما أنهكت نفسها بنزاعات الاحجام، هذا الاستثمار كَرّس معادلة «حزب الله» القوي القادر على تكريس نفوذه من دون ان يضطر الى الاشتراك في السباق على اقتسام منافع السلطة.