الإتفاق حضره ممثلون عن روسيا وتركيا وإيران وغابت عنه الولايات المتحدة الأميركية أحد أهم اللاعبين على الساحة السورية.
وجاء الإتفاق بعد سلسلة إجتماعات حصلت بين كل من روسيا وتركيا وإيران نتج عنها وقف لإطلاق النار يشمل جميع الأراضي السورية وجميع الفصائل المتقاتلة بإستثناء جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية " داعش ".
ويندرج الإتفاق ضمن سياق التأثيرات المباشرة لأحداث مدينة حلب الأخيرة التي إستطاع فيها الروس فرض سطوتهم على كل من إيران والنظام السوري وإخراج مشهدية حلب بطريقة لم يستطع فيها الإيرانيون ولا النظام السوري وحلفائهم من تذوق طعم النصر الكامل.
إقرأ ايضا : هذه عناوين خريطة الطريق الروسية-التركية للسلام في سوريا
تأثيرات سرعت الإتفاق:
أضف إلى أحداث حلب، كانت واقعة إغتيال السفير الروسي في تركيا حافزا للطرفين الروسي والتركي للتحرك سريعا وإنقاذ المحادثات الثلاثية في موسكو حول سوريا والتي كانت مقررة قبل واقعة الإغتيال.
وشكلت مرحلة الغياب السياسي لأميركا هذه الفترة لإنشغالها بالإنتخابات الداخلية حدثا آخرا كان سببا في جعل الروس يتصرفون على أساس أنهم اللاعب الوحيد في الميدان السوري فمرروا الإتفاقية.
ورغم هذه التأثيرات ، ذكرت معلومات صحافية من موسكو أن الأتراك قبل توقيع الإتفاق مع روسيا كانوا قد وضعوا كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية ودولة قطر في أجواء المحادثات.
وعلى خط مواز، رحبت وزارة الخارجية الأميركية بالإتفاق الذي لم تكن موجودة فيه، فالترحيب هو لغة ديبلوماسية لا تعني الموافقة النهائية أو حتى الرضى عنه في ظل الإنشغال الأميركي.
لكن كل هذا يثير الريبة والشك بالرضى الأميركي على الإتفاق خصوصا بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والتي إتهم بها أميركا بمساندة داعش.
إقرأ ايضا : الروس باعوا إيران واشتروا تركيا
المتضررون من الإتفاق:
هذا الغياب الأميركي عن الحدث جعلها تبدو دولة ضعيفة في الميدان السوري أو هذا ما حاول بوتين تصويره للرأي العام الإقليمي بالدرجة الأولى وهو بالواقع غير صحيح.
فلا شك أن أميركا متضررة من هكذا إتفاق لم تشارك في صنعه أو وضع لمساتها عليه وهذا سيصعب المهمة على الروس والأتراك لأن أي إتفاق لا يشارك فيه الأميركي هو محكوم بالفشل.
لكن هل الأميركي وحده من هو متضرر من هكذا إتفاق؟
لو رجعنا إلى ما جرى في حلب الشرقية والتقارير التي تحدثت عن خلاف روسي إيراني أخر تنفيذ الإتفاقية التي وقعت بين المعارضة والنظام بمباركة روسية وتركية لضمان خروج المدنيين والمسلحين من الأحياء المحاصرة بسبب الشروط التي طالبت بها إيران كإخراج المحاصرين في الفوعة وكفريا وما رافقها من نشر موسكو لعناصر من الشرطة الروسية في حلب ، يتضح حينها أن إيران ليست راضية على الدور الروسي وعلى هكذا إتفاقيات.
فإيران تشعر بنشوة النصر بعد حلب ومخططها كان الإطباق على إدلب ومواصلة القتال وقبل هذا وذاك كان مخططها إجتياح آخر الأحياء المحاصرة في حلب الشرقية وإخراج المسلحين منها بالقوة وهذا ما عرقلته موسكو وأخرجت مشهدية حلب كنصر ناقص للإيرانيين وحزب الله خصوصا.
فما الأوراق التي تمتلكها طهران في هذا الشأن؟
بإختصار، لاشيء سوى الرضوخ وركوب موجة الإتفاقية الروسية - التركية لأنها تدرك أنه في ظل غياب الدعم الجوي الروسي لعملياتها البرية في سوريا ستخسر مصالحها وسيسقط النظام بأسرع وقت.
لكن هل يشكل ضررها من الإتفاق والتي تتشاركه مع أميركا فرصة للتقارب مع واشنطن؟
أيضا لا، فالرئيس القادم دونالد ترامب غاضب جدا على توسع المشروع الإيراني في الشرق الأوسط ويضعه كأولوية في سياسته الخارجية.
إذا لا سبيل ولا مخرج لإيران من أجل تقليل خسائرها سوى ركوب موجة الإتفاقية بإنتظار ما ستقرره واشنطن، وعند هذا الحد إنتهت لحظة إنتصار إيران في سوريا.
أميركا وسلة من الأوراق:
أما الوضع عند أميركا فمختلف كونها تفاوض على مستوى العالم لا فقط بسوريا وتملك سلة من الأوراق منها تسليح المعارضة السورية بأسلحة مضادة للطائرات خصوصا أن هناك فصائل في المعارضة لم توافق على الإتفاق الروسي - التركي.
لكن الأهم في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وما يخص سوريا أيضا هو إسترجاع تركيا لحظيرتها ، فكيف ذلك؟
تدرك الإدارة الأميركية الحالية برئاسة باراك اوباما نقطة ضعف تركيا وهي الأكراد والذين باتوا يمتلكون المؤهلات والشروط الكافية لإعلان دويلتهم في سوريا، وإذا بدأت خطة التقسيم في سوريا لا شيء يضمن أن لا تمتد إلى تركيا والعراق وحتى إيران.
وهذه النقطة بالذات ما تجعل الأتراك والإيرانيين متفقين على حدود دنيا في الملف السوري ، فالهاجس الكردي يخيف إيران وتركيا وأميركا تدرك جيدا كيف تلعب على هذا الهاجس.
بالمقابل ماذا يوجد عند روسيا لإزالة الهواجس الإيرانية والتركية؟
لا شيء، وسيجد الجميع في النهاية أنهم مضطرون لإشراك أميركا في اللعبة لضمان مصالحهم القومية والحدودية.
وعلى وقع الإتفاقية الروسية - التركية كان أكراد سوريا في مدينة رميلان يجهزون دستور الدولة ونشيد البلاد لإعلان الدولة بعد أن أعلنوا الفيدرالية من قبل.
كيف ستتصرف إيران وتركيا بهذا الشأن؟ وهل يزعج هذا الإعلان الكردي رئيس النظام السوري بشار الأسد في هذا التوقيت ؟ ربما لا، فهو الآخر يبحث عن قناة تواصل مع دونالد ترامب ولو متأخرا بعد أن أمسك الروس برقبته كليا ومن المستبعد جدا أن يحقق شيء ما في رهاناته.
هذه المعطيات بأجمعها تدل على أن فصلا جديدا من الأزمة السورية سيبدأ مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ، والأزمة لن نشهد لها خواتيم في القريب العاجل.
فعندما تتفق روسيا وأميركا نهائيا وتكون الكلمة العليا لواشنطن ، حينها نشهد النهاية لأزمة دمرت البلاد والعباد.