"يختنق الحوار مع الإعلامية منى صليبا بألف غصّة، لم تستطع إخفاء صدمتها بواقع أن يكون الحوار معها في العدد ما قبل الأخير من جريدة "السفير"، تقول: "قلبي يؤلمني بسبب غياب السفير عن المشهد الإعلامي". نسألها أين هي اليوم فتجيب: "أمامي درب طويلة. مهنة الصحافة لا عمر محددًا لها، وهي لا تشبه غيرها من المهن. الطموحات واسعة في المجال. لا أطمح إلى أن أصبح مديرة أو أن أتبوّأ مناصب في مهنتي. أنا صحافية، مثلي مثل أي صحافي يكتب، ويبحث عن معلومة أو يجري تحقيقًا. لا أفتش عن الألقاب في مهنتي. لا يعنيني السعي إلى تقديم برنامج حواري مسائي، يسعدني إذا طرحت عليّ فكرة تقديم برنامج، الحوار المسائي جميل لكنّه ليس كافيًا. أصبحت الحوارات السياسية غير جذّابة، في عمل المراسلة لا أنتظر من سيتابعني، بل أصنع خبرًا ليتفاعل معه الناس، وهنا تكمن لذّة المراسلة. عمل المراسلة يستهويني، وتكفيني إطلالتي الحوارية يوم الأحد. أحاول قدر الإمكان أن أصنع الخبر، وأن أجعله جذابًا. ما أقوم به في المرحلة الحالية على الأرض وفي الاستديو يكفيني".
ابنة بتغرين تذكر أنّها كانت تستيقظ صباحًا على صوت موسيقى النشرات الإخبارية وصوت السيدة فيروز، "كان والدي رحمه الله (توفي منذ خمس سنوات) يتابع كل النشرات الإخبارية من الخامسة فجرًا إلى الثامنة والنصف مساء عبر كلّ الإذاعات اللبنانية ومونت كارلو أيضًا. كنت أحفظ موسيقى كل المواجز والنشرات الإخبارية، لم يرغب أهلي بدخولي مجال الصحافة. درست سنة أولى صيدلة، وكنت مجتهدة، لكنني قلت لوالدي إنني لا أريد هذا الاختصاص، فقال لا حول ولا قوة. ذهبت إلى الجامعة اليسوعية ودرست إدارة الاعمال وقدّمت امتحان الدخول في الصحافة، وحين صدرت النتيجة بدأ الحلم يتحقّق. أحببت الصحافة من خلال والدي، وتعلّمت حبّ اللغة العربية من خلال الموشحات والقصائد بصوت السيدة فيروز. والدي كان يدوّن كل ليلة أبرز الأحداث السياسية والثقافية والفنية في لبنان والعالم على مفكرة. كان الكلام ممنوعًا وهو يكتب أبرز الأحداث. ترك لنا 35 مفكرة، أي أنّه دوّن أبرز الأحداث اليومية على مدى خمسة وثلاثين عامًا، وكأّنها عناوين أخبار بما فيها حالة الطقس في لبنان، كان يوكلني بمهمة تجميع الأخبار والصحف ليدوّنها بخطّه على مفكّرته. ترك لي ثروة من الأرشيف. لم أستطع إكمال ما بدأه بعد وفاته. كل العوامل في بيتي دفعتني إلى اختيار مجال الصحافة. وحين بدأت العمل كان يتصل بي ليعطيني رأيه بكل ما أقدّمه".
وعن مشاركتها في برنامج "منّا وجر" تقول صليبا إنّه منحها زاوية نقد البرامج التلفزيونية، "البرنامج متعدّد الفقرات، فيه فقرات تسلية لا سخرية، وهناك تعليقات جدّية من حيث النقد. نتابع البرامج عبر كل الشاشات وننتقدها انطلاقًا من تقويم علميّ وموضوعي بدءًا من محطتنا أي "منّا وجر". أشاهد البرامج السياسية بحكم الشغف للمهنة، وأحب متابعة بعض برامج الترفيه مثال "رقص النجوم" و "ذا فويس كيدز" للمتعة، وبعد ان أصبحت جزءًا من "منا وجر" بتّ أتابع كل البرامج بما فيها التي لا أحبها، لأستطيع إعطاء رأيي بمهنية وموضوعية".
تشير صليبا الى أنها لم ترتكب أخطاء مهنية، "كنت جبانة أحيانًا خوفًا من وقوعي في الخطأ، هناك ما لم أتجرّأ على قوله مع أني كنت أملك المعلومة، في حين أن غيري تجرأ على قوله. أندم عندما يتضح أنني كنت على خطأ، وأنه لم يكن عليّ أن أتردد وأخاف من وقوعي في الخطأ. لا أنام أحيانًا بسبب قسوتي على نفسي. أعرف نفسي وأجلد نفسي لأنّ رأي الناس يعنيني. عندما تتكرر أخطاء بعض الصحافيين، أعتبر أنّهم لا يأخذون المهنة، على محمل الجدّ. يبتغون النجومية ولا يعتبرون الصحافة مهنة حقيقية. بات هناك حشو كبير في المهنة، وحين نغربل وفق المهنية، يبقى قليلون".
تعتبر صليبا أنّها لم تعد تميّز معايير المهنة الحقيقية، "كلّما أنظر إلى فريق عمل أجد معايير مختلفة. هناك عناصر قليلة في المهنة تتمتّع بالمهنية. وأنا أعتبر نفسي مهنية إلى أبعد الحدود، مهما كانت الظروف".
كبُرت صليبا في بتغرين في بيت يعشق صوت السيدة فيروز، "شعرت أنّ الحياة تتجسّد بصوتها وأغنياتها، كنت أعيش جزءًا من حالات الأغنيات، وفي مراهقتي وجدت أنّها مغايرة للواقع. شاركت في عرض مسرحي لـ"جبال الصوان" أيام المدرسة، وحين كنت أتابع دراساتي العليا في الجامعة اليسوعية، اخترت موضوع الفيلم عن محبي السيّدة فيروز "المجانين بحبها بطريقة خيالية" ونلت 18 من 20. تعرّفت على العديد منهم. علمت السيّدة بالفيلم من خلال صديق مشترك عرفته من خلال مشروع الفيلم. أحبّت أن تشاهد نسخة من الفيلم، دعتني إلى بيتها. وزرتها مرتين، قالت إنّها تتابعني عبر الشاشة، ووجدت أنّها ألذ إمرأة في الكون. لم أرد ان أخبر أحدًا بزيارتي منزلها. انقطع التواصل بيننا دون أي سبب. أعرف أننا يجب أن نبادر، وأخاف أن تزعجها كثرة المبادرات. لا أريد أن أزعجها. السيدة متواضعة إلى أقصى درجة وصاحبة نكتة. جدران الغرفة التي استقبلتني فيها مليئة برسومات لها، وكل واحدة أجمل من الثانية، والراديو في خلفية الصوت، تتابع السيدة الأخبار دومًا. أنا باختصار محظوظة لأنني تعرّفت على السيّدة في العام 2005. أحترم ابتعادها عن العالم الاستهلاكي وأهديها أغنية "لا تخافي سالم غفيان".