في محاولةٍ عبثيّة , يُحاول البعض تخفيف هول الحرب المُدمرة في الشرق الاوسط , والتي طاولت شظاياها المحيط المباشر , وما بعد المحيط المباشر , ليس في الطبيعة فحسب , بل في النفوس والعقول , وصولا إلى الوجدان الانساني .
محاولة عبثيّة بكل معنى الكلمة , لردم الهوّة السحيقة التي إنزلق فيها كلُّ تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا , هي عبثيّة لأنها تشبه إهالة التراب على نار بركان هو في أعلى درجات الهيجان , والاكثر عبثيّة هو محاولة إقناع الناس بالانتصار , ولا ندري إنتصار مَن على مَنْ , ولا ندري هل ينتصر الأبُ على إبنه , أو الأخُ على أخيه , وهل إشاعة الفوضى والعبثية وتدمير الحضارات هو إنتصارٌ , فإذا كان كذلك , فكيف يمكن أن نتصور الهزيمة ؟
ليس ثمة منتصر في صراع الحضارات لأن هذا الصراع لا ينتج غير التدمير والدمار الشامل على كافة المستويات , هذا ما نراه ونلمسه الآن في الحرب الدائرة في المنطقة , تدمير كلّ شيء , تدمير الحجر والبشر , وإشاعة الفوضى والعبثيّة في الاهداف , وأخطر ما في هذه الحرب العبثيّة هو ضرب العقل الاسلامي بالعقل العربي , وخلق تيارات فكرية معادية للإنسان والانسانية , لضرب وتحطيم إنجازات الحضارة الاسلامية .
هذه الحرب العبثيّة التي لم تنته بعد , وإن حاول البعض إيهام الرأي العام بفكرة الانتصار على الفوضى , بل إنها تستعرُ أكثر وهي تتجه نحو تفكيك البُنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية لحضارة المنطقة , وهذا سوف يكون له تداعيات حضارية طويلة الأمد , أول هذه التداعيات الخطيرة هي تغييب العنصر الاساسي في بنيّة الحضارة وهو الانسان , وتغييب الانسان يعني سيادة سلطات مستبدّة وسيادة الفوضى , وهذا يعني الهزيمة بكل معنى الكلمة .
فعن أيّ إنتصارٍ تتحدثون , وإلى أيّ حضارة تسعون , فهل ثمة حضارة بلا إنسان , أو مع إنسان بلا كرامة , أو هل ثمة حضارة مع إنسان مهزوم نفسيا وفكريا , ومشرّد لا يأويه أحد .
لم ينتصر أحد إلى الآن , بل الكلُّ إنهزم , والكلُّ مسؤول عن الهزيمة , وشرط الانتصار هو الاعتراف بالهزيمة , وإذا لم نعترف بالهزيمة سوف نبقى في دائرة الانتصار الوهمي الذي لا ينفع في الواقع , فلننظر نظرة صادقة إلى واقعنا وحالنا وإلى أين نحن متجهون في محيط تملؤه الفوضى والعبثيّة .