هل نجح لبنان في كسب تسوية سياسية أعادت النصاب السياسي إلى مؤسساته الدستورية، قبل التحولات الكبيرة الجارية في المنطقة، بدءاً من الاشتباك الأميركي – الروسي، حول خارطة التسوية السياسية في سوريا، والتي تضمنها روسيا الاتحادية، بالنيابة عن النظام وحلفائه الميدانيين والاقليميين، وتركيا عن المعارضة المعتدلة الدائرة في فلكها والمتجمعة باسم الائتلاف السوري الذي يضم «الجيش الحر» وتنظيمات عسكرية على صلة بالفلك التركي؟
الأوساط السياسية والدبلوماسية في بيروت تعتبر أن لبنان كسب الرهان، سواء أن كانت مكونات هذه التسوية ذات ابعاد محلية أو ابعاد خارجية، وإن كان البعض يعتقد أن ما حدث من الممكن أن يكون رمية من دون رام.
ولم يخف الرئيس سعد الحريري حاجة اللبنانيين إلى الاستقرار، والتضحية من أجل الحفاظ على الاستقرار، مشيراً إلى «مشروع خطير في المنطقة، وعلينا أن نحافظ على لبنان وإبقائه بعيداً عن الحروب والحرائق المجاورة»، مؤكداً أنه «عندما يكون التحدي يتعلق بالنهوض بالبلد يجب علينا الا ننظر إلى من يربح أو من يخسر، بل أن يكون لبنان هو الرابح على الدوام».
وشدّد على انه «من المهم أن نعيد إلى بيروت التألق، وأن لا تكون تحت رحمة أحد لا في موضوع النفايات ولا في موضوع الكهرباء»، كاشفاً ان بلدية بيروت ستطلق عدداً من المشاريع، سواء بالنسبة إلى النفايات أو الكهرباء لتلبية حاجات العاصمة ومتطلباتها.
وأكّد الرئيس الحريري، الذي تعهد بأن يبقى على نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالاستمرار في تدوير الزوايا من أجل مصلحة البلد، ان الالتزام بنهج الاعتدال أثبت جدواه في تجنيب لبنان الكثير من المنزلقات، لافتاً إلى أن «الاعتدال هو القوة وليس التطرف».
أزمة الصحافة
ومع أجواء الإيجابيات والتفاهمات والانفراجات الداخلية، حضرت الأزمة الخانقة التي تمر بها الصحافة اللبنانية، لا سيما المكتوبة منها، في اللقاء الذي عقد في قصر بعبدا بين الرئيس ميشال عون ووزير الاعلام ملحم رياشي، وفي وقت كانت فيه إجراءات الصحف تشكّل حملاً ثقيلاً على العاملين في هذه المؤسسات من كتّاب ومحررين ومخبرين ومصورين وإداريين وعاملين في الاقسام التنفيذية.
فمع قرار صحيفة «السفير» بالتوقف عن الصدور، بحيث يكون عدد اليوم وغداً آخر اعدادها، بعد أن صرفت العاملين فيها، ومع قرار صحيفة «النهار» صرف دفعة من العاملين في أقسام متعددة، حيث بلغ عدد الدفعة الأولى 25 صحافياً كجزء من مائة زميل قررت الصحيفة الاستغناء عن خدماتهم.
ولم يعرف تماماً ما هي إجراءات الدولة، وما إذا كان هذا الموضوع سيحضر على طاولة مجلس الوزراء الأربعاء المقبل، أم أن الحكومة ومؤسسات الدولة والمجتمع كلها ضربت عرض الحائط بمستقبل الاعلام اللبناني الذي واكب خطوات الانفراج ودافع عن الوحدة الوطنية في عز أيام التناحر السياسي والمذهبي والطائفي.
وكشف مصدر متابع لهذا الملف أن حزمة الاقتراحات التي جرى التداول فيها في عهد وزير الإعلام السابق رمزي جريج، تبين انه من غير الممكن الأخذ بها باعتبار انها غير عملية.
مجلس الوزراء
في هذا الوقت، نقل زوّار عين التينة عن الرئيس نبيه برّي قوله ان «الاجواء السياسية جيدة، وانه يستعد لاطلاق ورشة تشريعية، لا سيما في الحقل المالي، فضلاً عن إقرار الموازنة، متعهداً امام الزوار انه بانتظار اجراء الانتخابات النيابية سيعقد جلسة مساءلة كل شهر لمراقبة عمل الحكومة».
ووفقاً لما اشارت إليه «اللواء» أمس، رجحت مصادر رسمية أن يعقد مجلس الوزراء أولى جلساته العملية بعد عطلة رأس السنة مباشرة، متوقعة أن تكون يوم الأربعاء المقبل، مثلما لفت الرئيس عون نظر الوزراء، في أوّل جلسة عقدتها الحكومة لوضع البيان الوزاري.
وكشفت المصادر عن مشاورات تجري بين الرئيسين عون والحريري للتحضير لجدول أعمال الجلسة المرتقبة، على الرغم من أن أي دعوة لم توجه للوزراء.
واستبعدت المصادر أن يتضمن الجدول موضوع الموازنة، على اعتبار انه يحتاج إلى جلسات محددة لهذه الغاية، فيما الحاجة ماسة الى الانتهاء من المواضيع المؤجلة والمجمدة منذ استقالة حكومة الرئيس تمام سلام، ومعظمها بنود إدارية ومالية ملحة.
وفي هذا السياق، توقعت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان تكون بنود أوّل جلسة للحكومة بعد نيلها الثقة متضمنة لجملة مشاريع حيوية تظهر جدية الوزراء المعنيين في تنفيذها، مشيرة إلى ان النقاشات ستتم بالسلاسة والانسيابية، وفقاً لتمنيات رئيسي الجمهورية والحكومة.
وتحدثت هذه المصادر عن ان هناك ميلاً لأن تستجيب الحكومة لتطلعات المواطنين، إذ ان الكلام عن وعود دون تحقيقها ليس في قاموس الرئيسين عون والحريري اللذين يصران على إدارة الجلسات بحكمة، كما ان التحفظ أو الاعتراض حق، شرط ان يكون ضمن الأصول المتعارف عليها، معربة عن اعتقادها ان جميع الوزراء على عجلة في عرض ملفاتهم وإيجاد حلول أو بداية حلول للأزمات التي تشهدها البلد حتى وأن تطلب ذلك وضع برنامج زمني.
وأفادت عن توجيهات أعطيت لوضع مقاربات جديدة تختلف عن سابقاتها في ما يمكن طرحه، مشيرة إلى ان الملاحظ هو وجود نشاط وزاري ورغبة في جلسات مضبوطة الايقاع.
ورأت ان ما قاله الرئيس الحريري في مجلس النواب قبل التصويت على الثقة يتم بشكل واضح عن ان «التقليعة الحكومية» ستبدو صادقة ومتماسكة، وأن «المفاجآت» قد تكون في الوقت نفسه متعددة.
مراسيم النفط
واولى هذه المفاجآت، بحسب معلومات الرئيس برّي ان المراسيم التطبيقية لاستخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية اللبنانية، مرشحة لأن تدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء المقبل أو الذي يليه، بالتزامن مع إقرار النظام الضريبي للقطاع من أجل إطلاق دورة التراخيص التي يفترض ان تتقدّم بها الشركات لاستخراج النفط من المنطقة الاقتصادية الخالصة.
وأوضح مصدر نيابي خبير في هذا القطاع لـ«اللواء» ان المراسيم التطبيقية التي أشار إليها الرئيس الحريري في رده على مداخلات النواب في جلسات الثقة، هي عبارة عن مرسومين، الأول وهو عبرة عن تحديد المناطق البحرية، أو بحسب التعبير الشائع (البلوكات العشرة)، والثاني: اتفاقيات التفتيش والتنقيب.
ولفت المصدر إلى ان إقرار المراسيم التطبيعية غير مرتبطة بالنظام الضريبي للقطاع، لكنه حتمي وضروري من أجل ان تتعرف الشركات الراغبة بالتنقيب عن النفط إلى ما عليها من واجبات قبل ان تتقدّم بطلب الترخيص لها، كاشفاً بأن هذا النظام موجود في مجلس الوزراء، بعد ان وضعته وزارة المال.
وشدّد المصدر النيابي بأن هذا الموضوع يحتاج إلى تفاهم سياسي لم يتوافر بعد بين القوى السياسية الفاعلة في البلد.
حزب الله في بكركي
وسط هذه الأجواء، جاءت زيارة وفد «حزب الله» إلى بكركي لتهنئة البطريرك الماروني بشارة الراعي بعيدي الميلاد ورأس السنة، مثلما توقعت «اللواء» أمس، مؤشراً لافتاً إلى مناخ التوافق العام في لبنان والذي أدى إلى انتخاب الرئيس عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة الرئيس الحريري، بما يفرض مسؤولية على المسؤولين للقيام بما يحتاجه اللبنانيون لكي يستفيدوا من مناخ الاستقرار والتعاون والتوافق، بحسب ما أشار رئيس المجلس السياسي في الحزب السيّد إبراهيم أمين السيّد الذي أمل ان تعطي الظروف على المستوى الإقليمي والداخلي فرصاً كبيرة للبنانيين نحو مزيد من التقدم وحل المشاكل الكبرى التي يعيشونها.
وفي هذا السياق، لفت الانتباه، انفتاح «حزب الله» على الحوار مع «القوات اللبنانية» وكذلك على البحث في أي صيغة لقانون الانتخاب، والذي يحقق شيئاً من النسبية ويُخفّف القلق والهواجس عند اللبنانيين.
وأشار السيّد إلى ان هناك ثلاثة صيغ قوانين مطروحة، والنقاش مفتوح حولها، فإذا تمّ التوصّل إلى توافق معين على أي صيغة لن يكون هناك مشكلة، معتبراً ان القانون المختلط ما زال غير واضح، لكن هناك إمكانية للدمج بين المشاريع للخروج بقانون يرضي الجميع.
وعن دعوة تركيا كل الأجانب بمن فيهم «حزب الله» للخروج من سوريا، ردّ السيّد بأن الحزب ليس موجوداً بقرار تركي أو أميركي وإنما في إطار التعاون بينه وبين الدولة السورية لمواجهة المشروع الارهابي، و«عندما نرى المصلحة مناسبة للخروج نخرج وليس التزاماً بقرار تركي».