مع بدء العدّ العكسي لطيّ صفحة عام 2016 والتحضيرات الجارية لاستقبال السنة الجديدة، انكفأت الحركة السياسية الداخلية نسبياً، بفعل دخول البلاد عطلة عيد رأس السنة، على أن تنطلق بعدها «مسيرة الإصلاح» بعد نيلِ الحكومة الثقة، على حدّ ما أعلنَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس، في وقتٍ أكّد رئيس الحكومة سعد الحريري أنّ الحكومة «ستباشر درسَ المشاريع الحيوية وحلَّ المشكلات التي يعاني منها المواطنون». ويُنتظر أن يتصدّر الأولويات ملف قانون الانتخاب الجديد والانتخابات التي ستُجرى على أساسه.
خرقَ الهدوءَ السياسيّ الداخلي أمس زيارةُ وفد «حزب الله» لبكركي وإعلانه من الصرح البطريركي أنّ الحزب باقٍ في سوريا «من أجل هزيمة المشروع الإرهابي بكامله»، مؤكدا أنه لم يوجد في سوريا «بقرار تركي أو أميركي أو سعودي»، بل في إطار التعاون بينه وبين الدولة السورية، «وعندما نرى أنّ المصلحة تناسب خروجنا من سوريا نخرج، ولكن ليس التزاماً منّا بقرار تركيا أو غيرها».

ويأتي موقف الحزب القديم ـ الجديد بعد إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو «أنّ جميع المقاتلين الأجانب يتعيّن ان يغادروا سوريا، ويتعيّن على «حزب الله» العودة الى لبنان. كذلك يتزامن موقف الحزب مع حدث إقليمي نوعي كبير تَمثّل بالإعلان عن اتّفاق لوقف إطلاق نار شامل في كلّ أنحاء سوريا بين المعارضة والنظام برعاية روسيّة وتركية، بهدف تهيئة الظروف الملائمة لدعم المسار السياسي لحلّ الأزمة.

وفي هذه الأثناء أكّد وزير الخارجية السوري وليد المعلم أنّ «وجود «حزب الله» في سوريا هو بطلب من الحكومة السورية الشرعية».
وقد دخل الاتّفاق على وقف النار حيّز التنفيذ منتصف ليل أمس، وهو لا يشمل تنظيمَي «داعش» و«جبهة النصرة» الإرهابيَين والمجموعات المرتبطة بهما.

ورشة عمل

داخلياً وعلى الصعيد السياسي، وبعد اكتمال عقدِ المؤسسات الدستورية ونيلِ الحكومة ثقةَ مجلس النواب، ووسط استمرار الأزمات الاقتصادية والحياتية والمعيشية، يترقّب اللبنانيون مسار العهد الجديد ومدى التقيّد بتنفيذ الوعود التي قطِعت لهم بمعالجة ملفّاتهم، سواء في بيان القسَم أو في البيان الوزاري، فيما تبقى العين على العمل المنتظر لإقرار قانون انتخابي جديد.

زيارة الرياض

وكشَفت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» أنّ التحضيرات ما بين القصر الجمهوري ووزارة الخارجية قد انطلقَت مع نظيراتها العربية والخليجية وقطَعت شوطاً بعيداً تحضيراً للجولات الخارجية لرئيس الجمهورية بهدف ترتيب المواعيد وجداول الأعمال التي ستتطرّق إليها محادثات سلسلة القمم الرئاسية العربية المقرّرة تبعاً للدعوات التي تلقّاها قصر بعبدا.

وقالت هذه المصادر إنه بات من الواضح أنّ الرياض ستكون أولى زيارات عون الخارجية للقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي متوقَعة منتصف الشهر المقبل، وتليها جولة عربية تشمل العواصم المصرية والأردنية والقطرية، ثمّ جولة في أوروبا تشمل الفاتيكان وبعضَ العواصم الأوروبية التي وجّهت إلى عون دعوات رسمية لزيارتها.

وكان عون قد أكّد أمس أنّ مسيرة الإصلاح ستنطلق بعدما نالت الحكومة الثقة، وتشمل إدارات الدولة ومؤسساتها، ولا سيّما لجهة العمل على تجديدها لكي تصبح أكثرَ إنتاجاً، ثمّ المباشرة بتنفيذ مشاريع إنمائية، ولا سيّما منها تلك التي تتطلّب جهداً كبيراً.

مجلس وزراء

ومع مطلع السنة الجديدة، يُتوقع أن تبدأ الحكومة أعمالها في أول جلسة لمجلس الوزراء تُعقد الأربعاء المقبل.

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ آليّة توزيع جدول الأعمال على الوزراء قبل 72 ساعة سَقطت مع الحكومة الجديدة، ولم يعُد مِن مبرّر لهذا الإجراء الاستثنائي الذي تَكرّس في حكومة الرئيس تمّام سلام بعد انتفاء حالة الشغور الرئاسي، وبالتالي فإنّ المؤسسات ستعود إلى عملها بانتظام وفق الأصول، ورئيس الحكومة يعدّ جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء بعد التشاور مع رئيس الجمهورية في أيّ وقت، حتى إذا اضطرّ الأمر عشية الجلسة مباشرةً.

برّي

وفي سياق متّصل، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره: «الوضع الحكومي مبشّر، ولديّ أخبار سارّة، حيث علمتُ أنّ مراسيم النفط ستُدرَج في جدول أعمال مجلس الوزراء، إضافةً الى انّ المشروع الضريبي المتعلق بهذا الأمر والذي أعدّه وزير المال سيدرَج أيضا».

وأضاف: «الأجواء العامة مريحة، وآملُ أن يستمرّ الانسجام بين القوى السياسية، وخصوصاً القوى المنضوية في الحكومة، بما يؤدّي إلى إنتاجية وفعالية أكبر».

وأكّد بري «أنّ مجلس النواب في صَدد الانطلاق بورشةٍ تشريعية، ونحن ننتظر أن يجتمع مجلس الوزراء، وتُفتح دورة تشريعية استثنائية لمجلس النواب، لكي يباشر هذه الورشة. علماً أنّني في صدد عقدِ جلسة شهرية للمناقشة أو التشريع، بالتوازي مع التوجّه إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية (دائمة) حول مختلف الأمور والقضايا».

وعن موضوع قانون الانتخاب، كرّر بري القول «إنّ البحث محصور بأمرَين، إمّا القانون المختلط (انتخاب 64 نائباً على أساس النظام الاكثري و 64 نائباً على اساس النظام النسبي)، وإمّا طبقتان: القضاء والمحافظة. وحتى الآن لا نستطيع أن نقول إنّ هناك تقدّماً، هذا رهنٌ بما سيَظهر في الفترة القليلة المقبلة». وقال: «إنّ الحلّ الدائم والعادل هو بالنسبية الشاملة، لكن في وضعِنا الحالي النسبيةُ الجزئية هي أسلمُ دواء.

لن أقبلَ بأيّ قانون يعيد إنتاج الواقع الطائفي أو المناطقي أو الانقسامي، بل مع قانون النسبية في عمقه سبيلاً للخروج من القمقم». وختَم: «آخِر قرش عندي النسبية ولا شيء غير ذلك. ولن أقبل بقانون أكثري، ونقطة على السطر».

الحريري

مِن جهته، زاولَ الحريري في السراي الحكومي أولَ نشاط رسمي له بعد نَيل الحكومة الثقة. وأعلنَ خلال استقباله وزيرَي الدفاع يعقوب الصرّاف والداخلية والبلديات نهاد المشنوق وقادة الأجهزة الأمنية «أنّ الحكومة لن تألوَ جهداً في سبيل توفير كلّ مقوّمات الدعم للجيش والقوى الأمنية لتتمكّن من الاستمرار في القيام بمهمّاتها في الحفاظ على أمن الوطن والمواطن».

وأشار الحريري خلال استقباله ممثّلي عائلات وشخصيات بيروتية، إلى أنّ الحكومة ستباشر على الفور درسَ المشاريعِ الحيوية وحلَّ مشكلات اللبنانيين، وفي مقدّمها أزمات الكهرباء والمياه و السير وملفّ النقل العام وغيره.

وقال: «نحن كسياسيّين يجب أن نضحّي من أجل البلد، حتى ولو في السياسة، فالاستقرار هو الأساس ويجب أن لا نوقفَ البلد من أجل الخلافات السياسية القائمة بين الأفرقاء وأن لا نضعَ العصيّ في الدواليب، لأنّه تبيّن أنّ الخلافات السياسية الجذرية الموجودة، ليست طائفية ولا مذهبية بل سياسية بَحتة».

وإذ تحدّثَ الحريري عن وجود محاولات متواصلة للتعطيل، شدّد على أنّ «الأهمّ بالنسبة إلينا هو أن نسعى باستمرار إلى تجاوزِ هذه المحاولات وتحقيق الإنجازات في سبيل النهوض بلبنان».

ِ«الحزب» في بكركي

وفي هذه الأجواء، نَقل وفدٌ مِن حزب الله برئاسة رئيس المجلس السياسي في الحزب السيّد ابراهيم أمين السيّد إلى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تهانىء الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله بالأعياد.

ودعا السيّد بعد اللقاء المسؤولين إلى «الاستفادة من مناخ التعاون والاستقرار والتوافق العام الموجود، للقيام بكلّ ما يحتاج إليه اللبنانيون». ورأى أنه «إذا انتصَر المشروع الإرهابي في سوريا فكلّ المنطقة ستتأثّر، خصوصاً لبنان، وإذا فشلَ ستتأثّر المنطقة، وخصوصاً لبنان بحكم الجغرافيا والتاريخ».

واعتبَر «أنّ ما حصَل في الآونة الأخيرة، خصوصاً في تحرير حلب، يشكّل خطوة مهمّة في مسار هزيمة المشروع الإرهابي في المنطقة، والمطلوب أن يستفيد منه الجميع لبناء الوحدة والاستقرار والوحدة الوطنية، والتصدّي لهذا المشروع وتداعياته على صعيد المجموعات والخلايا الإرهابية».

وفي الملف الانتخابي، أكّد السيّد أنّ «الحلّ الأمثل للّبنانيين هو اعتماد النسبية الكاملة وأن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، ولكنّنا لسنا وحدنا في لبنان، وهناك قوى سياسية ما زالت بعيدة عن هذا الطرح، إلّا أنّنا منفتحون على البحث في الصيغة القانونية التي تحقّق شيئاً من النسبية وتخفّف القلق والهواجس عند اللبنانيين. هناك ثلاث صيغِ قوانين مطروحة، والنقاشُ مفتوح فيها، ونحن موجودون في اللجان التي تَبحث فيها.

إنْ تمكّنا من الوصول إلى نتيجة أو أيّ توافق معيّن على هذه الصيَغ ما مِن مشكلة عندنا». ورأى أنّ «المختلط غير واضح تماماً. هناك وجهات نظر متعدّدة حياله. وفي النقاش هناك إمكانية الدمج للخروج بقانون انتخابي بالحد الأدنى يُرضي الجميع».

وعن إمكانية حصول حوار بين «حزب الله» و«القوات اللبنانية» في السنة الجديدة، قال السيّد: «الظروف الموجودة اليوم في لبنان ستفرض حتماً نوعاً من التواصل، وهذا التواصل نأمل في أن يصل إلى مدى سياسي معيّن. ونحن منفتحون على هذا الموضوع».

«القوات» تردّ

وقال مصدر في «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ كلام السيّد من بكركي لجهة «انفتاحه على الحوار مع «القوات» و«أمله بلوغ التواصل مدى أوسع وأبعد»، هو كلام إيجابي يَجدر التوقّف عنده، ولكن، ويا للأسف، نقاط الاختلاف مع الحزب كبيرة جداً، إلّا أنّ إرادة التلاقي والانفتاح تشكّل محطّ ترحيب، علَّ وعسى».