أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقاً لوقف النار بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة المسلحة بدءاً من منتصف ليل الخميس - الجمعة. وكان هذا الاتفاق ثمرة التقارب الاخير بين موسكو حليفة دمشق وأنقرة الداعمة للفصائل المعارضة.
وهو ثالث اتفاق لوقف النار على مستوى البلاد سنة 2016. وانهار الاتفاقان السابقان اللذان توسطت فيهما روسيا والولايات المتحدة خلال أسابيع، فيما تبادل الأطراف المتحاربون الاتهامات بانتهاك الهدنة. ولا يشمل الاتفاق الحالي الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة.
وكانت المعارضة المسلحة قد مُنيت بهزيمة كبيرة في مدينة حلب حيث اضطلعت الغارات الجوية الروسية والقوات البرية التي تدعمها إيران بدور كبير في مساعدة الحكومة على طرد مسلحي المعارضة من الأجزاء الشرقية من حلب.
واكتسبت المحادثات في شأن وقف النار زخماً بعدما أبدت روسيا وإيران وتركيا استعدادها لدعمه وتبنت "إعلان موسكو" الذي يحدد مبادئ يتعين على أي اتفاق أن يلتزمها.
الهدنة
وبعد لقاءات عدة في تركيا بين مبعوثين روس وممثلين للفصائل المعارضة، أعلن بوتين التوصل الى وقف النار ضمن اطار اتفاق بين النظام السوري وفصائل المعارضة يتضمن بدء محادثات سلام دولية مع تركيا وايران في استانا عاصمة قازاقستان.
وقال خلال لقاء مع وزيري الدفاع والخارجية الروسيين الجنرال سيرغي شويغو وسيرغي لافروف إن "حدثاً انتظرناه منذ زمن وعملنا كثيراً من أجل التوصل اليه تحقق قبل بضع ساعات".
وأوضح أن جماعات المعارضة والحكومة السورية وقعت عدداً من الوثائق بينها اتفاق وقف النار وإجراءات مراقبة الاتفاق وبيان في شأن الاستعداد لبدء محادثات السلام.
وأضاف: "الاتفاقات التي تم التوصل إليها طبعاً هشة وتحتاج الىعناية خاصة ومشاركة... ولكن بعد كل ذلك هذه نتيجة ملحوظة لعملنا المشترك ومساعي وزارتي الدفاع والخارجية وشركائنا في المنطقة".
وأعلن أن روسيا وافقت على الحد من انتشارها العسكري في سوريا حيث رجّح دعم موسكو للرئيس بشار الأسد كفة المعركة لمصلحته.
وتحدث بوتين هاتفياً مع الأسد الذي قال إنه ملتزم احترام وقف النار.
ترحيب بالاتفاق
ووصف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اتفاق وقف النار بأنه "فرصة تاريخية" لانهاء الحرب في سوريا.
وأبدى كل من الجيش السوري والفصائل المقاتلة و"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" موافقتهما على وقف النار تزامنا مع ترحيب الامم المتحدة بالاتفاق، آملة أن يسمح بايصال المساعدات الى المدنيين.
وتحدث شويغو عن سبع مجموعات تمثل 62 ألف مقاتل من "ابرز قوات" المعارضة، وقعت اتفاق وقف النار مع دمشق، بينها "حركة أحرار الشام الاسلامية" التي تحظى بنفوذ.
وأكد بوتين واردوغان خلال اتصال هاتفي الخميس اهمية "تعزيز التعاون في مكافحة الارهاب"، مشدّدين، استناداً الى بيان للكرملين، على ان "وقف النار لا يشمل مجموعات ارهابية وفي الدرجة الاولى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)".
وبموجب بيان الجيش السوري، "يُستثنى" من القرار "تنظيماً داعش وجبهة النصرة الارهابيان والمجموعات المرتبطة بهما".
الا ان المستشار القانوني لفصائل المعارضة أسامة أبو زيد الذي شارك في المفاوضات مع الجانبين الروسي والتركي، أكد في مؤتمر صحافي في أنقرة ان الاتفاق "يشمل جميع المناطق وجميع الفصائل العسكرية الموجودة في مناطق المعارضة السورية".
وشدّد رئيس الدائرة الإعلامية في "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" أحمد رمضان على ان "الاتفاق يستثني فقط تنظيم الدولة الاسلامية وتنظيمات ارهابية أخرى"، لكنه يشمل "جبهة فتح الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً قبل اعلانها فك ارتباطها مع "القاعدة").
وقال إن الاتفاق يسري على "جميع المناطق التي فيها المعارضة المعتدلة أو تلك التي تضم المعارضة المعتدلة مع عناصر فتح الشام على غرار ادلب" في شمال غرب البلاد.
وعلى رغم عدم مشاركتها في المفاوضات الجارية، وصفت واشنطن الاتفاق على وقف النار بأنه "تطور ايجابي". وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية مارك تونر: "نرحب بكل جهد لوقف العنف وانقاذ الارواح وتهيئة الظروف لمعاودة المفاوضات السياسية المثمرة".
المفاوضات
وبالتوازي مع اتفاق وقف النار، أعلنت موسكو بدء الاستعدادات لمفاوضات سلام يفترض ان تعقد في استانا قريباً، في كانون الثاني على الأرجح.
وناقش بوتين واردوغان الجهود المبذولة حالياً لتنظيم هذه المفاوضات.
وتحدث الكرملين في بيان عن اتصال هاتفي بين بوتين والرئيس السوري بشار الاسد، اللذين أبديا "وجهة نظر مشتركة بأن اطلاق المفاوضات في استانا حول تسوية سلمية سيشكل خطوة مهمة في اتجاه الحل النهائي للازمة".
وأكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم ان دمشق ستشارك في محادثات استانا، وان "كل شيء يطرح قابل للنقاش عدا السيادة الوطنية وحق الشعب السوري في اختيار قيادته".
وقال لافروف: "سنبدأ مع تركيا وايران الاعداد للقاء استانا"، مبدياً استعداد موسكو لدعوة مصر، مشيراً الى أنها تحاول جذب قوى اقليمية أخرى كالسعودية وقطر والعراق والاردن.
ولم يحدد المجموعات المعارضة التي ستفاوض ممثلي الاسد على طاولة المحادثات.
وأكد أبو زيد بدوره "التزام المعارضة أن تشترك في مفاوضات الحل السياسي خلال شهر من دخول وقف النار حيز التنفيذ" وفق بنود الاتفاق، موضحاً ان وفد المعارضة سيكون "منبثقاً من الهيئة العليا للمفاوضات".
وفي جنيف، أعرب المبعوث الخاص للامم المتحدة الى سوريا ستافان دو ميستورا عن دعمه لمحادثات استانا، آملاً في أن تساهم هذه التطورات في "معاودة المفاوضات السورية... التي ستوجّه الدعوة اليها في رعاية الامم المتحدة في 8 شباط 2017".
ولفت وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الى ان اجتماع استانا "ليس بديلاً من لقاء جنيف... بل مرحلة مكملة له".
الميدان
وفي مؤشر للحد الذي بلغه التقارب الثنائي في سوريا، شنّت مقاتلات روسية ليل الاربعاء - الخميس غارات على مدينة الباب حيث تخوض القوات التركية وفصائل معارضة هجوماً لطرد "داعش" منها.
وعلى صعيد آخر، أحصى "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له مقتل ثلاثة مدنيين جراء سقوط قذائف صاروخية على أحياء عدة في حلب. وأوردت الوكالة العربية السورية للانباء "سانا" ان مصدر القذائف ريف حلب الجنوبي الغربي.