تحت عنولن لهذه الأسباب: يومان ويُطــوى البيان الوزاري، كتب جورج شاهين في صحيفة "الجمهورية": طوت حكومة "استعادة الثقة" محطتها الأخيرة التي ستؤهّلها الإنصراف الى العمل مطلع السنة الجديدة ما لم يطرأ ما يجمعها قبله. وفيما غابت المواقف اللافتة عن جلسات الثقة، توقعت مراجع مطّلعة إنتهاء النقاش في البيان الوزاري شكلاً ومضموناً في الساعات المقبلة بسبب حجم الملفات المطروحة على أولويّاتها. لماذا وكيف؟باستثناء الملاحظات العابرة التي دفعت وزراء "القوات اللبنانية" وزميلهم ميشال فرعون الى الاعتراض على الفقرة المتعلّقة بـ "حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة" معتبرين أنّ هذا الحق محصور بالدولة فقط أسوة بمَن سبقهم من كتل نيابية ووزارية في عهد الحكومتين السابقتين، عَبَرَ البيان الوزاري بسلاسة وكاد مضمونه أن يغيب عن مناقشات جلسة الثقة النيابية.
فلولا بعض المواقف التي سجّلتها كتلة نواب الكتائب اللبنانية وبعض النواب المستقلين من بعض البنود وما رافق تشكيل الحكومة من فيتوات ومواقف ومناقشات، لما توقّف المراقبون عند أيّ كلمة من الكلمات التي استهلكت ست ساعات فقط من المناقشات قبل أن يردّ رئيس الحكومة التحية للنواب في بداية جلسة التصويت على الثقة وهي التي تساوت في ساعاتها مع ما استهلكته اللجنة الوزارية التي كُلِّفت صوغ البيان على مرحلتين.
وبناءً على ما تقدّم، وبالعودة الى التجارب السابقة هناك مَن يعتقد أنّ البيان الوزاري سيُطوى في القريب العاجل مع دخول البلاد مدار عيد رأس السنة الميلادية خلال يومين. فمطلع السنة الجديدة سيحمل مؤشرات عدة تصرف النظر عن مضمون البيان وتطوي فقراته التي يمكن أن يستذكرها بعض الوزراء في مناسبات محدّدة لأنّ حجم الملفات المفتوحة سيضعه على الرف.
ففي الأيام المقبلة، وتحديداً الاولى من السنة الجديدة سينصرف الوزراء، كلّ الى شؤون وزاراته اليومية. وإن كان القليلون منهم يمتلكون ما يكفي من الخبرة لفهم المهمة التي أُنيطت بهم، فهناك مخاوف من أن يستهلك البعض الآخر ولاية الحكومة قبل أن يفهم تركيبة وزارته ومهماتها وما يمكن أن يُنجزه، خصوصاً في الحقائب التي أُحدِثت للمرة الأولى بحيث سيكون مضطراً الى البحث عن مقرّ له قبل أن يدير الملفات التي سيعالجها.
وفي أولويات الحكومة ملفات كبرى تتنازعها المواقف الحادة وهو ما ينطبق خصوصاً على ملف قانون الإنتخاب الذي يشكل إحدى الاولويات التي تعهّدت بها الحكومة، ما يوحي بأنها ستكون معركة قاسية بين منطقين قد تقود الى مخرج موقت:
- المنطق الأول، يدعو الى إعتماد النسبية الكاملة قبل أن يتراجع الى الجزئية بعدما فتح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله النقاش حول بعض الهواجس من هذا العنوان فيما بقي آخرون يصرّون عليه فعابوا على الحكومة عدم الإشارة الى هذه العبارة في متن الحديث عن القانون العتيد.
- المنطق الثاني يقول بإعادة النظر في قانون الستين و"شلبنته" ببعض التعديلات الشكلية التي تسمح بتحولّه قانوناً عابراً للمرحلة الراهنة في انتظار التفاهم على حجم وطريقة الإعتماد على النسبية في أجواء تسمح ببناء تحالفات حرة وديمقراطية بعيداً من منطق الفرض الذي يمكن أن يتحكّم ببعض الدوائر الإنتخابية ذات التوجّه الخالص.
وما بين هذين المنطقين يتقدّم البحث عن مخرج قديم ـ جديد يتجسّد بمشروع قانون ثالث يقول بإتمام العملية الانتخابية على مرحلتين، بحيث يتمّ التأهيل في دوائر صغيرة هي القائمة حالياً وفق قانون الستين وما قال به القانون الأرتوذكسي وفق المذاهب على أن تجرى المرحلة الثانية على أساس الدوائر الكبرى.
وفي موازة الإهتمام بقانون الإنتخاب تعطي الحكومة الأولوية لعدد من الملفات المُعقّدة والصعبة التي تتشابك فيها المصالح الخاصة مع المصلحة العامة كحال ملفات النفايات والكهرباء التي يتخبّط المسؤولون عنها بين الحريصين على إبقائها مزاريبَ هدر لفئات واسعة من اللبنانيين وأخرى تبحث عن مشاريع لا يمكن تطبيقها في غياب ما يوحي بإمكان قيام "جمهورية الفارابي" البيئية والصحّية والمالية في لبنان.
والى قانون الإنتخاب سيكون ملفا الكهرباء والمياه والنفايات على أولويات البحث في وقت تشابكت المصالح السياسية مع تركيبة الحكومة الجديدة. فالعِقد المستعصية في ملف النفايات معروفة الحجم والمصدر والمخارج مفقودة الى الآن وخصوصاً في شأن نفايات عاليه والشوف وإقليم الخروب الذي ينتمي اليه وزير البيئة الجديد المتّجه الى إسترجاع ملف النفايات قريباً ليقول كلمته فيه مع الخوف من صدام مع واقع تعيشه المنطقة أدّى الى حجب الملف عن الوزير السابق ابن المنطقة الذي كان يتعاطى بمطمرَي برج حمود و"الكوستابرافا" مع حجب سلطته عن نفاياته المنزلية في عاليه.
ومن دون الدخول في تفاصيل أزمة الكهرباء والمياه التي باتت في عهدة مَن خطّط لكلّ المشاريع المجمّدة بين مصانع الطاقة والسدود، لا يخفى على أحد حجم النزاع القائم حول هذا القطاع الذي دخل القضاء في جوانب منه تتّصل بآلية العمل في مؤسسة كهرباء لبنان، ما سيؤدّي الى تعقيد المشكلات بدلاً من حلحلتها.
وبناءً على ما تقدّم، يرجّح المراقبون أن ينسى اللبنانيون البيان الوزاري قريباً لإنشغالهم بهمومهم اليومية، كذلك سيتناسى آخرون مضمونه قصداً، فلن تكون لهم مصلحة في التذكير به في ضوء بعض الملاحظات التي شابت البيان وليس ابرزها نسيان المقطع الخاص بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، عدا عن الفقرة الخاصة بالمقاومة وما رافقها من التباسات ستفعل فعلها في المدى القريب في الساحة السياسية وعلى أكثر من مستوى.