خلفية التوتر السائد حالياً في شرق سوريا، بين لواء «ثوار الرقة» ولواء «صقور الرقة»، لها صِلة مباشرة بالسعي الأميركي إلى هندسة الميدان في منطقة الجزيرة السورية وشرقها لحسم ملفّ: مَن هي القوة العسكرية المرشحة لدخول مدينة الرقة بعد تحريرها من «داعش»؟هذا التوتر هو تعبير بالواسطة عن النزاع الجاري بين الأكراد من جهة والعشائر السنّة المدعومين من إقليميّين عرب من جهة ثانية، على موضوع من هي الجهة المؤهلة تنفيذ المرحلة الرابعة من الخطة الاميركية لإخراج «داعش» من الرقة وملء الفراغ الأمني فيها مكانه.
منذ ستة اشهر تقريباً صاغَ التحالف الدولي في سوريا، بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، خطة تحرير الرقة ذات المراحل الاربع.
المراحل الثلاث الاولى منها بدأت قبل نحو ثلاثة اشهر، وانحصر هدفها بعزل الرقة عن ريفها، ومحاصرتها تمهيداً لبدء المرحلة الرابعة المتمثلة في اقتحامها وإخراج «داعش» منها.
مراحل العزل الثلاث أوكلَتها واشنطن إلى «قوات سوريا الديموقراطية» (قَسَد) التي يشكل فيها الاكراد القوة الاساسية. امّا المهمة الرابعة فتعتزم واشنطن إيكالها حصراً إلى لواء «ثوار الرقة» الذين هم المكوّن العربي داخل «قَسَد»، وأيضاً إلى وحدات يتمّ بناؤها من العشائر العربية من أبناء المنطقة.
ويسود أوساط المعارضة تقدير يفيد بأنّ حزب الاتحاد الكردي هو الذي دفع «صقور الرقة» (المنتمي أيضاً إلى العشائر العربية في منطقة الجزيرة، والمتحالف مع الاكراد) الى محاصرة مقار «لواء ثوار الرقة» وخطف 14 من قيادته.
وهدف الاكراد من ذلك الإيحاء لواشنطن بأنّ هناك خلافاً بين العشائر العربية السنّية في تلك المنطقة، ولذلك لن يكون في إمكانها الاعتماد عليها لتنفيذ المهمة الرابعة من الخطة الاميركية، وأنّ الكرد (لجان الحماية الشعبية) يظلون هم حصان اميركا البرّي الرابح لتحرير الرقة، بمساعدة فصائل عربية، مثلما حرّروا مناطق واسعة خلال العامين الماضيين من «داعش».
ويمكن إبراز ملاحظات اسياسية عدة انطلاقاً من المعطيات المُستقاة ممّا يجري حالياً في منطقة الجزيرة المعتبرة منطقة نفوذ خالصة لأميركا، وما يسودها من استعدادات ميدانية واتصالات مع دول اقليمية تقودها واشنطن وقيادة التحالف الدولي تحضيراً لبدء معركة إخراج «داعش» من الرقة:
ـ الملاحظة الاولى تفيد أنه في مقابل تقدّم النفوذ الروسي الداعم للنظام في غرب سوريا وشمالها، فإنّ اميركا تحاول التقدم جدياً في منطقة الجزيرة وشرق شمال سوريا، لإخراج «داعش» منها وجعلها منطقة نفوذ لها. وضمن هذا المنظور عن تقاسم النفوذ الدولي على الجغرافيا السورية، بدأت واشنطن تُولي عناية متأخرة لقضية أنّ المناطق التي توجد فيها «داعش» في الجزيرة هي بغالبيتها تقطنها عشائر عربية، وعليه أصبحت اكثر انفتاحاً على تلبية مطلب اساس لدول الخليج وتركيا التي تحتاجها لدعم معركتها هذه واستقرار نفوذها في الجزيرة، ومفاده أن يتمّ تحريرها من «داعش» بواسطة قواها المحلية (العشائرية العربية وفصائل «الجيش السوري الحر» الموجودة في تلك المنطقة) وعدم السماح للأكراد بأن يكونوا بديلاً عنها.
ـ الملاحظة الثانية، تجسّدها معلومات تفيد أنّ واشنطن أصبح لديها تصور واضح حول معركة الرقة ومستقبل الجزيرة، وهي تعمل الآن على وضع خرائطه التنفيذية مع شركائها الاقليميين.
وأبرز عناصره:
أ ـ إشراك العشائر العربية في معركة تحرير الرقة ودير الزور، وليس الاكراد.
ب ـ إشعار العشائر العربية بأنّ إهمال واشنطن لإشراكهم في عملياتها العسكرية بغية تحرير مناطقهم من «داعش» إنتهى، ولم يسمح للأكراد بالخروج من جغرافيا المراحل الثلاث في خطة تحرير الرقة.
طبعاً الاكراد يخشون من أن يؤدي هذا التوجه الجديد الى تضاؤل اعتماد واشنطن عليهم في هذه المنطقة الشاسعة الممتدة بين دير الزور والرقة والملاصقة لمنطقتهم الكردية، ما يضعف معادلتهم في شرق سوريا لمصلحة الغالبية العربية.
ويتعاظم توجّسهم حالياً وخصوصاً بعدما تدخلت واشنطن لفضّ الاشتباك بين لواءي «صقور الرقة» و«ثوار الرقة» وأرغمت حزب الاتحاد الكردي على الضغط على الأول لإطلاق قياديي «ثوار الرقة». ويعطي هذا الامر إشارة الى انها اتخذت قرارها بحصر مهمة دخول الرقة ودير الزور بالعشائر العربية المحلية، من دون الكرد.
وفي تفاصيل هذه المعلومات، أنه يتم الآن إنتاج خطة اميركية بالتوافق مع دول عربية خليجية والاردن، ويمكن أن يعلن عنها خلال شهر، ومفادها إعداد قوة عسكرية من عشائر شرق سوريا وفصائل من «الجيش الحر» لتقوم بمهمة تحرير الرقة ودير الزور. وستنطلق هذه القوات من الحدود الاردنية والحدود التركية نحو الرقة، وذلك بتمويل ودعم لوجستي إقليمي ـ خليجي ـ تركي، وبغطاء جوي يؤمنه التحالف الدولي.
تؤكد مصادر هذه المعلومات أنّ هذا المشروع لا يزال قيد التبلور، وانه يواجه نوعين من التحديات، أوّلهما كردي يحاول عرقلة الاتجاه الاقليمي
ـ الاميركي لبناء قوة عسكرية عشائرية عربية موحدة وقادرة من دونهم على تنفيذ المرحلة الرابعة من خطة تحرير الرقة، والثانية هي محاولة النظام السوري ومعه روسيا، مقاومة فَرض واشنطن معادلة تقسيم سوريا لمناطق نفوذ محلية على أساس إتني أو جَهوي، بحيث يؤدي الى رسم خريطة تقاسم حماية ونفوذ دوليين على الجغرافيا السورية.
ولا تستبعد هذه المعلومات أن يحاول النظام وحلفاؤه بدعم جوي روسي استباق العشائر المدعومة خليجياً وأميركياً الى الرقة، وهذا ما يفسّر إرساله أخيراً تعزيزات عسكرية عاجلة الى القامشلي التي يسمح موقعها بشنّ هجوم منها على الرقة.