نالت حكومة الرئيس سعد الحريري الثقة (87 نائباً) دون المعدل المتوقع، والذي كان يتردد، استناداً إلى مصادر نيابية واسعة الاطلاع انه سيقارب المائة أو ينيف.

وعليه، أضحى السؤال: لماذا تدنى عدد مانحي الثقة؟ وهل هناك علاقة بين ما يمكن تسميته «بالاستهتار» النيابي وقانون الانتخاب الذي تعمل بعض الكتل على فرض «النظام النسبي» بأي طريقة في مواده، إن لم تتمكن في تحصيل ما تطمح إليه من قانون تشكل النسبية عاموده الفقري؟

الرئيس الحريري، وفي رده على مداخلات النواب، توقف عند ما وصفه بـ«ايجابية في البلد» و«التعاون بين القوى السياسية»، متمسكاً بإنجاز أولويات البيان الوزاري على الرغم من أن عمر الحكومة لن يتجاوز ستة أشهر، و«الناس تعبت وتريد نتائج عملية».

وكان من الملفت أن ربط الرئيس الحريري طلب ثقة المجلس بإنجاز قانون انتخاب جديد في ظل إعلانه «اننا اليوم فعلياً غير متوافقين على قانون الانتخاب».

ولاحظت مصادر سياسية أن كتلتي «التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» تعتبران أن الثقة الحالية تكون بإقرار قانون الانتخاب، مع العلم أن 5 نواب فقط من الكتلتين غابوا عن جلسة الثقة، في حين أن كتلة النائب سليمان فرنجية تمثلت بنائب واحد هو اسطفان الدويهي، فيما غاب 4 نواب من تكتل «الاصلاح والتغيير» هم: اميل رحمة، زياد أسود، يوسف خليل وادغار معلوف، وغاب 3 من «اللقاء الديموقراطي» بينهم رئيس اللقاء وليد جنبلاط، وكذلك لم يُشارك الرئيس نجيب ميقاتي الموجود خارج لبنان بالإضافة الى النائبين احمد كرامي ومحمّد الصفدي، كما غاب النائبان ميشال المرّ ونايلة تويني.

وفي تقدير مصدر نيابي في كتلة «المستقبل»، فان الثقة بالحكومة في حدود 90 صوتاً كان متوقعاً، ولم يُشكّل حجم الثقة بـ87 صوتاً مفاجأة، إذ انه كان معروفاً أن معظم النواب الذين غابوا عن الجلسة، كانوا خارج البلاد، لافتاً النظر إلى ان الغياب الوحيد من كتلة «المستقبل» كان للنائب بهية الحريري من دون أن يعرف السبب في حين أن غياب الرئيس فؤاد السنيورة كان معلناً قبل الجلسة بسبب وجوده في القاهرة، بالاضافة إلى النواب الثلاثة الآخرين لوجودهم خارج لبنان، علماً أن النائب زياد القادري عاد من السفر لحضور الجلسة.

وبدءاً من اليوم، يمارس الرئيس الحريري نشاطه رئيساً للحكومة في اليوم الأوّل الذي يلي الثقة.

وكشف مصدر وزاري لـ«اللواء» أن التركيز ينصب على تحضير جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المفترض أن تعقد بدءاً من الاربعاء المقبل، نافياً أن تتمكن الحكومة من عقد جلسة قبل رأس السنة، مع الإشارة إلى أن الدستور ينص على توزيع جدول الأعمال على الوزراء قبل 48 ساعة من انعقاد المجلس، وأن التحضير لجدول الاعمال يتم بالتنسيق بين رئيسي الجمهورية والحكومة.

ولفتت المصادر الوزارية الى أن الاختبار المرتقب للحكومة يكمن في كيفية تمرير البنود المدرجة والمتضمنة لملفات رئيسية، مؤكدة انه لا يمكن التكهن بأولويات هذه الملفات التي قد تطرح، لأن الأمر بيد رئيسي الجمهورية والحكومة.

ورأت أن ما هو ملح مرشّح للبحث والنقاش واتخاذ قرارات بشأنه، على أن صفة «العجلة واستعادة الثقة» ترافق هذه الحكومة التي تبقى الأنظار شاخصة إليها لا سيما بالنسبة للانتخابات النيابية، مشيرة إلى انه «لم يعرف بعد ما إذا كانت الحكومة ستخوض البحث في مواضيع مؤجلة أو غير مبتوت بها في الحكومة السابقة.

وأشارت إلى انه في المراحل اللاحقة، فإن الحكومة ستبحث في تقارير عن مهام وزراء الدولة الذين كلفوا بمواضيع رئيسية.

ولفتت إلى ان قانون الانتخاب سيكون من المهمات الرئيسية للحكومة، في ضوء المهل التي ستواجه هذا الاستحقاق، علماً ان حلول شهر رمضان في حزيران قد يحول دون التمكن من اجراء الانتخابات النيابية، ضمن المهلة المحددة في القانون، مما يفرض تأجيلها، بحسب ما ألمح وزير الدولة لشوون رئاسة الجمهورية بيار رفول، في حين ان القانون الجديد مهما كانت الصيغة التي سيرسو إليها ستفرض حتماً تأجيلاً تقنياً لن يقل عن ثلاثة أشهر.

إلى ذلك، كشفت مصادر رسمية عن بدء التحضيرات لزيارة الرئيس ميشال عون إلى المملكة العربية السعودية التي ستكون فاتحة زياراته للدول العربية، ولا سيما الخليجية منها، مشيرة إلى ان اتصالات تجري حالياً بين دوائر رئاسة الجمهورية والديوان الملكي السعودي لتحديد مواعيد هذه الزيارة، والتي ستكون، في المبدأ خلال شهر كانون الثاني المقبل، إلا ان أي موعد رسمي لم يتحدد بعد بانتظار تبلور نتائج هذه الاتصالات.

اما في شأن التعيينات التي تضمنها البيان الوزاري، فقد لفتت مصادر مطلعة إلى ان التعيينات في الأجهزة الأمنية والعسكرية غير مطروحة في الوقت الحاضر، لكنها قد تأتي ضمن ملف التعيينات التي يفترض ان تنكب الحكومة عليها، في الوقت الذي تحدده باعتبار انه من اولوياتها، الا انه ليس الآن.

ولفتت إلى ان قائد الجيش العماد قهوجي باق في قيادة الجيش إلى شهر أيلول، بموجب قرار التمديد له من قبل وزير الدفاع السابق، ويفترض إذا حصل أي تفكير بتعيين قائد جديد ان يشمل أيضاً الأمين العام لمجلس الدفاع اللواء محمّد خير الذي مدد له بنفس الطريقة.

وأشارت إلى ان الأمر نفسه يسري على قيادة قوى الأمن الداخلي، حيث هناك 7 ضباط في مجلس القيادة بالتكليف، إلى جانب اللواء إبراهيم بصبوص الممدد له، في حين ان المدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء جورج قرعة تنتهي مدته في حزيران من العام المقبل، بينما الوحيد من قادة الأجهزة الأمنية الذي يعتبر وضعه القانوني سليماً هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.

يُشار إلى ان الرئيس عون منح اللواء قرعة حصانة سياسية، عندما أشار إلى ان التغطية السياسية لوضعه باتت مؤمنة، في إشارة إلى إنهاء الازمة التي واجهت الجهاز أثناء ولاية نائب مدير عام الجهاز العميد محمّد طفيلي الذي احيل على التقاعد قبل شهور.

وكان الرئيس عون أكّد امام قادة الأجهزة الأمنية على أهمية الأمن في ازدهار الاقتصاد والسياحة وتوظيف الأموال، متوقفاً عند ما اسماه «هجمة ايجابية» للدول العربية والأجنبية والمؤسسات الدولية بعدما ادركت مدى تحسن الأوضاع في لبنان.

وقال الرئيس عون امام وفد قيادة الجيش الذي زاره لتهنئته بالاعياد ان «القوة فرضت علينا الاحتلال ومقاومتنا ثبتت حقنا في السيادة والاستقلال»، مشيراً إلى ان «بعض المعارك الخاسرة تكون أحياناً مربحة»، داعياً «المؤسسة العسكرية إلى ان لا تكون قوة قمعية للمواطن بل قوة حماية له ولاولاده».

الموازنة

وفي موازاة الانهماك في إطلاق ورشة قانون الانتخاب، تتحضر لجنة المال والموازنة في العمل لإنجاز موازنة العام 2017، بعد ان تحال إليها من مجلس الوزراء.

وأكّد مصدر وزاري ان من المهم الإسراع في إنجاز الموازنة، لأنه لا يمكن الاستمرار في الصرف على القاعدة الاثني عشرية، في ظل ارتفاع العجز في الموازنة إلى أكثر من عشرة في المائة من الناتج المحلي أي 52 مليار دولار.

وتخوف المصدر من انه في حال عدم إقرار الموازنة فإن المديونية العامة قد تصل إلى 80 مليار دولار في نهاية العام 2017.

واعرب مصدر اقتصادي عن خشيته من ان يؤدي تزاحم الأولويات إلى عدم التمكن من إقرار الموازنة، وبالتالي استمرار الصرف على القاعدة الاثني عشرية، وهذا لا يتناسب مع مشروع مكافحة الفساد الذي تبنته الحكومة في بيانها الوزاري واستمرار الانفاق بالطريقة العشوائية علماً ان الموازنة نفسها دونها عقبات تتمثل في جردة الحساب من العام 2005 إلى الآن، والمقدرة بـ11 مليار دولار، والتي سبق لتكتل «الاصلاح والتغيير» ان أثارها في كتابه «الابراء المستحيل»، وسلسلة الرتب والرواتب المجمدة منذ سنوات.

سياسياً، من المتوقع ان يزور اليوم وفد من «حزب الله» الصرح البطريركي لتقديم التهاني للبطريرك بشارة الراعي، لمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، في وقت اشاع بيان الأمن العام ارتياحاً لدى أهالي العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش»، والذي أثبت ان نتائج فحوصات الحمض النووي لهؤلاء الأهالي، والتي جرت مع أربع جثث عثر عليها على الحدود اللبنانية السورية، جاءت غير مطابقة.

وأحيت هذه النتيجة الآمال لدى هؤلاء ان العسكريين المخطوفين ما زالوا على الأقل احياء، مما يُعزّز استمرار التفاوض في شأن اطلاقهم.