ربما يصعب تجاهل عامل السرعة الاستثنائية التي طبعت آخر فصول العملية الدستورية منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية بالحلقات المتعاقبة من تكليف الرئيس سعد الحريري مرورا بتشكيل الحكومة ومن ثم انجاز البيان الوزاري والمثول امام مجلس النواب في جلسة اليوم ونصف اليوم الخاطفة انتهاء بالتصويت على ثقة الـ87 نائبا. كلها حلقات مترابطة في سلسلة تسوية داخلية ما انفكت منذ 31 تشرين الاول الماضي تثبت أن ملائكة قرار سياسي داخلي – خارجي كبير هبطت على الواقع اللبناني وتدفع تباعا نحو ترسيخ معالم هذه التسوية. ومع ذلك فان ما بعد الموجة الاولى بفصولها المنجزة الناجزة لن يكون كما قبلها، أقله بالاستناد الى معالم تعقيدات كبيرة ومتراكمة في واقع موروث من حقبة الفراغ الرئاسي تحديدا ترك وراءه مجموعات من الازمات المنتشرة على رقعة مترامية من القطاعات المنهكة في كل المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والحياتية والخدماتية بلوغا الى أم الاستحقاقات الداهمة أي العد العكسي للانتخابات النيابية وانطلاق "الجهاد الأكبر " في البحث في قانون الانتخاب الجديد. في اليوم التالي لرأس السنة 2017 ستكون الدولة في عهد الرئيس عون والحكومة الخارجة امس بثقة مجلس النواب امام يوم آخر تبدأ معه رحلة الاختبار المزدوج الكبير والدقيق للعهد والحكومة والقوى الشريكة في استيلادهما. فمن أين ستبدأ برمجة الاولويات ووفق اي تراتبية وأي معايير ؟ كل ما في لبنان بات يندرج تحت عنوان الاولويات المتزاحمة ولا فرق بين أزمة سير خانقة صارت الكابوس الممض اليومي للمواطنين والمتسبب الاساسي في خنق الحيوية الاقتصادية فضلا عن تفاقم التلوث البيئي وبين ازمة ركود لا تخفف منها فسحة ظرفية في الاعياد. كما لا فرق بين اولوية قانون انتخاب يجمع الافرقاء السياسيون على حتمية التوصل اليه بسرعة وازمة نفايات تذر بقرنها بين الفترة والاخرى او ازمة كهرباء تقيم مزمنة بين حنايا البلاد ومناطقها أو ازمة سلسلة رتب ورواتب عادت تذكر بثقل تجاهلها مع ادراج الموازنة في المراتب المتقدمة من اولويات الحكومة. اذن هو الاستحقاق الحاسم الاولي الذي سيتعين على الحكومة الثانية التي يرأسها الرئيس الحريري وفي ظل عهد الرئيس عون ان تتنكب له عبر الانصراف بسرعة الى اقتناص الوقت المحدود الذي يطبع ولايتها في الفترة الانتقالية الفاصلة عن الانتخابات النيابية سواء جرت في موعدها الطبيعي في الربيع المقبل او جرى التمديد "التقني" المحدود لموعدها اذا "وفقت" الطبقة السياسية بتسوية لقانون جديد.
وسط هذه المناخات خرجت "حكومة استعادة الثقة" بثقة 87 نائبا من اصل 92 حضروا جلسة التصويت امس علما ان هذه النسبة جاءت دون النسبة شبه الاجماعية التي حصل عليها الحريري لدى تكليفه والتي بلغت 112 نائبا.
ولكن مصدرا وزاريا بارزا قيمّ عبر "النهار" حصيلة جلسات الثقة النيابية بالحكومة فقال ان القول بإن أكثرية الاصوات التي نالتها الحكومة جاءت دون المتوقع لا ينفي في الواقع أن الحكومة نالت أكثر من ثلثي الاصوات. كما أنه غير صحيح القول أن الرئيس الحريري قد تخلّى عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بل أن النص الذي جرى إعتماده في البيان الوزاري هو النص ذاته الذي ورد أيام حكومة الرئيس تمام سلام. وأوضح المصدر ان من المؤشرات المهمة في مداخلة الرئيس الحريري الختامية امس كان حديثه عن "وثائق الاتصال" التي لا يزال العمل بها قائما وهي في واقع الحال "وثائق إعتقال". ولفت الى ان الرئيس الحريري أبقى النقاش ضمن التوافق القائم من باب الحرص على عدم هزّ هذا التوافق.وكان الحريري تطرق الى مجموعة قضايا وملفات بارزة ومنها ملف قانون الانتخاب فأكد " اننا فعلا غير متوافقين اليوم على قانون انتخاب لكنني اؤكد ان كل القوى السياسية في الحكومة وانا على رأسها نريد قانون انتخاب جديداً"، كما شدد على "التزامنا الكامل والجازم والنهائي بالمحكمة الدولية" ولفت الى ان ملف النفط هو "من اولوياتنا" كما اكد التزام مكافحة الفساد.
وفيما يتعلق بمرحلة ما بعد جلسات الثقة,قالت مصادر وزارية عدة لـ"النهار" انها تنطلق من ضرورة إستعجال إنجاز مشروع الموازنة إنطلاقا من تحديث المشروع الذي سبق ان أعده وزير المال علي حسن خليل في الحكومة السابقة وبقيت في الاطار الوزاري وأيضا العمل على إنعاش الاقتصاد ومكافحة الفساد.وأعتبرت المصادر ان "الثلاثية" التي تهم جميع اللبنانيين الان هي: معالجة الظلمة والنفايات وشح المياه. لكنها تساءلت كيف ستبدأ ورشة مجلس الوزراء وأي جدول أعمال سيظهر أولا وهل سيتضمن رزمة مشاريع عالقة من أيام حكومة الرئيس سلام أم أنها ستقارب مشاريع وأفكار جديدة؟ كما تساءلت أيضا عما سيكون عليه إطار البحث في قانون الانتخاب؟هل سيكون في إطار لجنة حوار سياسية أم نيابية أم حكومية أم خليط من الثلاثة؟
وفي ما يتعلق بمجلس النواب قالت المصادر أن هناك حاجة الى فتح سلسلة من الدورات الاشتراعية العادية والاستثنائية لمتابعة المشاريع الملحة لاسيما منها ما يتعلق بقروض وإتفاقات خارجية مهمة تتعلق بالبنى التحتية والنازحين السوريين التي يعود أجزاء منها الى البنى الصحية والتعليمية.
عون
في غضون ذلك حرص الرئيس عون على اعلان مجموعة توجهات لعهده من خلال لقاءاته امس في قصر بعبدا لمناسبة نهاية السنة وفودا من قيادة الجيش والاجهزة الامنية الى موظفي رئاسة الجمهورية. واكد ان "الجيش والاجهزة الامنية اساس هذا الوطن ورمز الطمأنينة والاستقرار وان الشعب يقف وراءها والى جانبها قيادة سياسية تمنحها الحصانة والدعم اللازمين"، ولفت الى ان "بلدنا يشهد اليوم هجمة ايجابية من الدول العربية والاجنبية والمؤسسات الدولية التي ستساعد لبنان بعدما ادركت مدى تحسن الاوضاع فيه".