تراجعت حظوظ مؤتمر الآستانة، الذي تعمل روسيا وإيران من أجل عقده منتصف الشهر المقبل، في إجراء حوار بين النظام السوري ومعارضيه، بعد ما بدأ يظهر تباعا من "فيتوات" ترفعها إيران بوجه المرشحين للمشاركة في المؤتمر.
فبعد إعلانها، أمس، رفضها مشاركة المملكة العربية السعودية، قالت مصادر تركية واسعة الاطلاع لـ"الشرق الأوسط"، إن طهران رفعت "فيتو" آخر بوجه مشاركة رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، مبلغة أكثر من طرف أنه "غير مؤهل" للمشاركة فيه، ما حدا بالأتراك إلى الرد بطريقة غير مباشرة بتقديمهم صورة الاجتماع الثلاثي بين وزيري الخارجية التركي والقطري مع حجاب في الدوحة، بما يوحي بتمسك الطرفين بالهيئة العليا للمفاوضات شريكا أساسيا في أي عملية تفاوض، كما قالت مصادر سورية معارضة قريبة من حجاب، مشيرة إلى أن الطرفين أوحيا من خلال تعمد تصوير اللقاء الثلاثي، بأنهما "لن يقبلا بتجاوز الهيئة العليا بصفتها مفاوضا أساسيا في تمثيل المعارضة السورية على اختلاف تلاوينها".
وأشارت إلى أن الجانب التركي وضع حجاب في أجواء المباحثات التي تجريها أنقرة من أجل المساعدة في إيجاد حل للأزمة السورية." وأكدت مصادر رسمية تركية في المقابل لـ"الشرق الأوسط" أن الوزير التركي مولود جاويش أوغلو، ونظيره القطري "لم يطلبا من الهيئة العليا المشاركة خلافا لقناعاتها". وقال المصدر إن ترك"يا ليست في وارد الضغط على أي أحد للقيام بما يخالف قناعاته، مشددة في المقابل على "التزام أنقرة تعهداتها التي أعلنت عنها في الاجتماعات الثلاثية (مع روسيا وإيران) وغيرها، لجهة السعي إلى وقف النار الشامل في سوريا والتمهيد للحل السياسي".
وبالفعل، فقد تراجعت فصائل المعارضة السورية المعتدلة التي كانت مدرجة على لائحة المشاركين في مؤتمر آستانة، عن المشاركة في المؤتمر المزمع عقده في عاصمة كازاخستان في منتصف كانون الثاني المقبل، وذلك بسبب تصنيف طهران لبعض فصائل الجيش السوري الحر، على أنها فصائل "إرهابية"، بينما لم تحسم الفصائل التركمانية المدعومة من تركيا موقفها بعد.
ومثل هذا التراجع ضربة للمفاوضات، التي قالت روسيا على لسان الناطقة الصحافية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن جهود التحضير للمفاوضات في آستانة تركز على اتجاهات معينة، بما في ذلك ضمان الحضور القوي لفصائل المعارضة المسلحة، واستطردت قائلة: "أعتقد أن هذه هي الصفة الرئيسية التي ستميز مفاوضات آستانة عن عملية جنيف، لكن المعارضة السياسية ستشارك أيضا. أما تشكيلة الوفود وصيغة المشاركة، فتجري دراسة هذه المسألة حاليًا". وقالت زاخاروفا: "الحديث لا يدور حاليا عن توجيه الدعوات لحضور المفاوضات في آستانة، بل عن صياغة الرؤى والأطر الأساسية للمفاوضات في آستانة، وشددت على أنه من السابق لأوانه الحديث عن مشاركة الهيئة العليا للمفاوضات في حوار آستانة".
غير أن "الهيئة العليا للمفاوضات" نفت علمها بوجود المؤتمر من أساسه. وقال العضو بالهيئة جورج صبرة، أمس، إن الهيئة "لا علم لها بوجود محادثات تقول موسكو إنها تجري بين الحكومة السورية والمعارضة". وقال صبرة لوكالة "رويترز": "لا علم لنا بوجود اتصالات بين المعارضة والنظام السوري... بالتأكيد ليس لنا علاقة بهذا الموضوع".
وفي حين تستبعد روسيا "الهيئة العليا للمفاوضات"، التي مثلت المعارضة السياسية والمسلحة في مباحثات جنيف في الربيع الماضي، والتي اشترطت أن يكون اتفاق "جنيف 1" شرطًا لأي عملية سياسية في سوريا، يبدو أن الفصائل العسكرية التي تمثل القسم الأكبر من المقاتلين المعارضين في سوريا، انضمت إلى موقف "الهيئة العليا للمفاوضات". وأكدت مصادر بارزة في المعارضة السورية المسلحة لـ"الشرق الأوسط"، أن القسم الأكبر من الفصائل التي كانت روسيا وتركيا وإيران تريد ضمها إلى محادثات آستانة "تراجعت عن المشاركة". وأرجعت المصادر أسباب عزوف الفصائل عن المشاركة في المؤتمر إلى "موقف طهران الذي لا يزال يصر على اعتبار بعض الفصائل المعتدلة إرهابية"، مشيرة إلى أن إيران "تتهم (فيلق الشام) و(أحرار الشام) و(جيش الإسلام) بأنها حركات إرهابية، وهو ما دفع الفصائل الأخرى لاتخاذ القرار بعدم المشاركة". وأشارت المصادر إلى أن الفصائل التركمانية المدعومة من تركيا، أهمها "لواء السلطان محمد الفاتح" و"لواء السلطان مراد"، لم تحسم قرارها بعد، مشددة على أن موقفها مرتبط بموقف القرار التركي من المباحثات.
وأكد القيادي في "جيش الإسلام" في الغوطة الشرقية لدمشق، أبو أحمد الدمشقي، أن "جيش الإسلام" لن يشارك بتاتًا في محادثات آستانة. وقال الدمشقي لـ"الشرق الأوسط": "لن نشارك بتلك المحادثات التي لا ترتقي إلا إلى أن تكون مسخرة سياسية بمسرحية هزلية على جثث شعبنا الحر"، مضيفًا: "من يتهمنا بالإرهاب، فإننا لا نقبل بأن نتحاور معه"، في إشارة إلى إيران وروسيا.
وكانت موسكو قد دعت إلى عقد مباحثات في آستانة بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا، بمشاركة فصائل عسكرية في الداخل، والقوات الكردية، مستبعدة فصيلي "داعش" و"فتح الشام" (النصرة سابقًا) على اعتبار أنهما جماعتان إرهابيتان، بمشاركة روسية وتركية وإيرانية، وسط استبعاد للولايات المتحدة الأميركية. ولم توزع موسكو بعد الدعوات على الفصائل التي قالت إنها مدعوة للمشاركة في المباحثات.
وأكدت طهران، أمس، على لسان وزير دفاعها العميد حسين دهقان، أن "داعش" و"النصرة" "لا يمكن أن يكونا جزءا من وقف إطلاق النار، بل بقية المجموعات المسلحة"، من غير أن يستثني أي فصيل بشكل علني. وقال إن وقف إطلاق النار "بحاجة إلى ضمانات حقيقية، بمعنى أنه على الجميع أن يقبلوا بوقف شامل لإطلاق النار، وعليهم الالتزام بمسألة معاقبة أي طرف ينتهك وقف إطلاق النار"، مضيفًا في حديث لـ"روسيا اليوم"، أنه "يجب البدء بعملية سياسية بعد وقف إطلاق النار، وإطلاق المفاوضات بين هذه المجموعات والحكومة السورية".
وفي معرض رده على سؤال "بناء على المباحثات الإيرانية الروسية التركية الأسبوع الماضي في موسكو، هل حل الأزمة السورية بات بيد هذه الدول الثلاث أو يمكن ضم دول أخرى كالسعودية؟" قال الوزير الإيراني إن "البقية كانوا في جنيف واجتمعوا هناك لمرات عدة، نحن نعتقد أن الحل الوحيد للأزمة السورية أن نساعد في التوصل إلى حل سوري - سوري، السعودية لا تلعب ذلك الدور الذي يؤهلها للمشاركة في المفاوضات". وأضاف: "هم يسعون إلى قلب نظام الحكم (في سوريا)، والذين يسعون إلى ذلك لا يمكن التفاوض معهم، بل ينبغي الرد عليهم بشكل حازم والآخرون كذلك".
وكانت وكالة "إنترفاكس الروسية" للأنباء نقلت عن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قوله إن الحكومة السورية تجري محادثات مع المعارضة قبل اجتماع أوسع يحتمل عقده في آستانة في كازاخستان.