الثقة المرتفعة التي ستمنح لحكومة الرئيس سعد الحريري الأولى في عهد الرئيس ميشال عون، ربما لا تكون آخر «البشائر البيضاء» التي حملها كانون الاول من العام 2016، قبل أيام ثلاثة من انتهائه، حيث سجل هذا الشهر سلسلة من العلامات الجيدة، سواء في ما خص المطر والثلج، أو «الثقة البيضاء» التي أعربت غالبية الكتل النيابية عن عزمها على اعطائها لـ«حكومة استعادة الثقة» التي تذهب إلى العام المقبل، ومعها آمال اللبنانيين بسنة جديدة ستبدأ معالم وجهتها مع اول جلسة يعقدها مجلس الوزراء الأربعاء المقبل في الرابع من كانون الثاني في القصر الجمهوري، وفي الموعد المتفق عليه بين الحادية عشرة والثانية بعد الظهر.
ووفقاً لمصدر وزاري مطلع، فان من أولى مهام الحكومة الحريرية فتح ملف التعيينات الأمنية والإدارية، لا سيما في ما يتعلق بقيادة الجيش والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، على أن تنتقل التعيينات إلى المناصب الشاغرة في الإدارات العامة.
وإذا كانت موازنة العام 2017 التي احيلت إلى الحكومة السابقة، تشكّل أولوية في الشهر الأوّل من السنة الجديدة، بعد ان تمّ فصل الاتصالات من أجل قانون جديد للانتخابات عن المجريات الأخرى للحكومة، فان المرحلة الأولى من جولات الرئيس عون العربية ستكون على الطاولة أيضاً، ربما في اول جلسة للحكومة بعد نيلها الثقة او في الأسبوع الذي يلي، باعتبار أن استعادة الثقة العربية والدولية بلبنان يتعين أن تتزامن مع إجراءات استعادة الثقة في الداخل، وقبل حصول اجندات دولية وخارجية قد تحمل مفاجآت غير سارة، في ظل الصراعات المتأججة في المنطقة، والتحولات الخطيرة، سواء في الولايات المتحدة او اوروبا الغربية.
واعتبرت مصادر نيابية واسعة الاطلاع انه لا يمكن الاستهانة بالانجازات السياسية والأمنية والوفاقية التي تحققت، على الرغم من بعض الأصوات التي لا تزال تتجاهل هذه الإنجازات وانعكاساتها على استعادة الثقتين اللبنانية والخارجية، بالمحاولات القوية الجارية لانتشال الدولة اللبنانية من حالتي الفشل والشلل اللتين اصابتها في الصميم وكادت ان تجعل من اليأس قاعدة بدل الرجاء.
ولاحظت هذه المصادر أن كلمات النواب في معرض مناقشة البيان الوزاري، باستثناء المشادة غير المبررة بين نائبي عكار خالد الضاهر ورياض رحال، عكست أجواء لا يمكن الاستهانة بها من الوفاق الداخلي، على عدم تعريض لبنان لتداعيات الأزمة السورية أو الصراعات الإقليمية الجارية.
وتوقفت هذه المصادر عند التقارب الذي ظهر من قبل كتلة «الوفاء للمقاومة» تجاه الحكومة ورئيسها، والذي عبّر عنه بصورة واضحة النائب علي عمار الذي أعلن مد اليد للرئيس الحريري وحكومته.
وقالت هذه المصادر لـ«اللواء» انه بعد جلسة الثقة، فان المجلس النيابي الذي ينهي عقده العادي الأوّل بانتظار صدور مرسوم فتح دورة استثنائية من أجل إقرار الموازنة ومواكبة التحضيرات لقانون الانتخاب، لن يتوانى عن مواكبة عمل الحكومة، لا سيما في حقلي التشريع والمراقبة، بعد ان تعهد الرئيس الحريري في بيانه الوزاري بأن تقدّم الحكومة تقريراً مختصراً عن اعمالها من اجل مساعدة المجلس على ممارسة صلاحياته في الرقابة والمساءلة، ورد الرئيس بري بالإعراب عن استعداده للدعوة إلى عقد جلسة مساءلة شهرياً.
ثقة بيوم واحد
ودل اختصار جلسات الثقة التي كانت مقررة بثلاثة أيام بيوم واحد، على ثبات أجواء الانفراج وقوة التسوية السياسية التي أنهت الشغور الرئاسي وأعادت الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة.
ولم يقتصر هذا الأمر على اختصار الجلسات، بل واكبه مساع حثيثة لحصر مواقف الكتل بنائب أو نائبين، وهكذا تكلم 22 نائباً من أصل 27 طلبوا الكلام، وطوي الكلام، على ان يردّ الرئيس الحريري على مداخلات اليوم، ثم يبدأ التصويت على الثقة، ثم ترفع الجلسة.
وفي تقدير مصدر نيابي، ان عدوى السرعة في إقرار البيان الوزاري لحكومة «استعادة الثقة»، في أقل من 72 ساعة حكومياً انسحب على جلسات المناقشة نيابياً، إذ ان الرئيس برّي كان يزمع بعد اختصار كلمات النواب من 27 نائباً طلبوا الكلام إلى 22 في الجلستين الصباحية والمسائية، ان يطرح الثقة بالحكومة ليلاً، لكن الرئيس الحريري طلب من الرئيس برّي تأجيل التصويت على الثقة إلى جلسة تعقد قبل ظهر اليوم لتأمين أكبر حضور للنواب، خصوصاً وأن حضور هؤلاء النواب ليلاً تفاءل كثيراً، وكان ثمة خشية فيما لو طرحت الثقة ان تكون هزيلة لا تتجاوز الـ60 صوتاً، وهو الأمر الذي انتبه إليه الرئيس برّي، رغم انه كان ينوي بالتفاهم مع الرئيس الحريري إنجاز المناقشة والتصويت في يوم واحد.
وعلى هذا الأساس تفاهم الرئيسان برّي والحريري على ان تعقد جلسة التصويت قبل ظهر اليوم، خصوصاً وانه يفترض بالمجلس ان يستمع إلى جواب الحكومة على مداخلات النواب، قبل طرح الثقة.
وبحسب المصدر النيابي فإن الثقة ستكون على أبواب المائة صوت، ويعزو ذلك إلى وجود عدد من النواب خارج البلاد، وبينهم ثلاثة من كتلة «المستقبل» وهم: الرئيس فؤاد السنيورة والنائبان زياد القادري وسيبوه كلبكيان، ومرض النائب بدر ونوس، بالإضافة إلى الرئيسين تمام سلام (الذي لم يحضر الجلسة المسائية) ونجيب ميقاتي الذي أعلن والنائب احمد كرامي مقاطعتهما جلسات الثقة، ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي ترددت معلومات انه خارج البلاد، والأمر نفسه يسري على رئيس تيّار «المردة»النائب سليمان فرنجية، رغم ان كتلته بشخص النائب اسطفان الدويهي أعلنت إعطاء الحكومة الثقة.
ورجح هذا المصدر ان يصل عدد حاجبي الثقة إلى حدود 11 نائباً، بينهم 5 من نواب الكتائب، والتي أعلن رئيس الحزب سامي الجميل حجبها، بالإضافة نواب مستقلين، بينهم النواب بطرس حرب الذي أعلن امتناعه عن إعطاء الثقة، ورئيس حزب الوطنيين «الاحرار» دوري شمعون، وربما نائب حزب «البعث» عاصم قانصوه، مع الإشارة إلى ان حكومة الرئيس الحريري الأولى التي تشكّلت في كانون الأوّل 2009 نالت ثقة 122 نائباً من أصل 124 نائباً حضروا الجلسة يومذاك، فعارض نائب واحد وامتنع آخر.
وكادت مناقشة البيان الوزاري في مرحلتيها الصباحية والمسائية والتي تحدث فيها 22 نائباً أن تمر بهدوء قلّ نظيره، لو لم يعكر صفوها «سجال ناعم» حصل بين الرئيس برّي والنائب خالد الضاهر على خلفية المقاومة والسلاح، والتي سبقتها مجادلة لم تخل من النبرة العالية بين رئيس المجلس والنائب إبراهيم كنعان على خلفية لائحة طالبي الكلام، حيث طلب كنعان حصر الكلام بنائب عن كل كتلة، وهو ما رفضه الرئيس برّي بسبب سابقة حصلت معه حول هذا الأمر، حيث لم يتم التجاوب معه من قبل الكتل.
أما السجال الناري فهو الذي اندلع بين الضاهر والنائب رياض رحال الذي اعترض هجوم زميله على الحكومة، عازياً سبب ذلك لعدم توزيره، وهو ما حمل النائب الضاهر على رشق النائب رحال «بصلية» قوية من الكلام النابي الذي استدعى الرئيس برّي إلى التدخل السريع وطلبه شطب تلك العبارات من محضر الجلسة، قبل أن يعلن نائب عكار حجب الثقة عن الحكومة.
عدا هذه المحطة القصيرة من التوتر، فان أجواء التوافق السياسي طبعت مناخات الجلسة على الضفتين النيابية والحكومية بشكل واضح، لا بل انه برز حرص واضح من قبل غالبية الكتل على تسهيل مرور الحكومة من خلال بيانها الوزاري لمباشرة عملها بثقة نيابية عالية، سيما وأن ما تضمنه هذا البيان من مفردات وعبارات حظيت برضى أكثرية النواب، لا سيما منهم الذين كانوا قد امتنعوا عن تسمية الرئيس الحريري لتأليف الحكومة، وعلى وجه الخصوص كتلة «الوفاء للمقاومة» التي أعلن نوابها عن استعدادهم لمد اليد للحكومة، وإبداء مرونة لافتة في مقاربة ما تضمنه البيان الوزاري، ومنح الثقة في سابقة قلّ نظيرها، وهذا يُشجّع على القول بأن المجلس سيشكل رافعة للحكومة لتمكينها من تنفيذ المهمة التي جاءت لأجلها وفي مقدمها إعداد قانون جديد للانتخابات.
البيان الوزاري
وكان الرئيس الحريري تعهد في البيان الوزاري لحكومته، التي اتخذت لنفسها عنوان «استعادة الثقة» بالعمل على إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية في أسرع وقت ممكن، على ان يراعي هذا القانون قواعد العيش الواحد والمناصفة ويؤمن صحة التمثيل، وذلك في صيغة عصرية تلحظ الإصلاحات الضرورية، كما تعهد بوضع استراتيجية وطنية عامة لمكافحة الفساد، وملء الشواغر في الإدارات والمؤسسات العامة باصحاب الكفاءات، معلناً التزام الحكومة بوضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب على كامل الأراضي اللبنانية، أما الاستراتيجية الدفاعية الوطنية فيتم التوافق عليها بالحوار.
وأوضح الرئيس الحريري ان البيان الوزاري الذي اقره مجلس الوزراء في جلسته السبت الماضي، بعدما سجل وزراء «القوات اللبنانية» والوزير ميشال فرعون تحفظاً على الفقرة المتعلقة «بحق المواطنين اللبنانيين في المقاومة» معتبرين ان هذا الحق محصور بالدولة، وضع سلسلة أولويات على رأسها إقرار موازنة الـ2017 من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني، والعمل فوراً لمعالجة المشاكل المزمنة بدءاً بالكهرباء والمياه وأزمات السير ومشكلة النفايات وتلوث مياه نهر الليطاني.
وأكّد ان الحكومة ستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي انشئت مبدئياً لاحقاق الحق والعدالة بعيداً عن أي تسييس أو انتقام، وبما لا ينعكس سلباً على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي، معلناً التزامه الحكومة بما جاء في خطاب القسم بالنسبة إلى حياد لبنان وابتعاده عن الصراعات الخارجية، فيما استعاد البيان الفقرة نفسها التي وردت في البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام بالنسبة الى الصراع مع العدو الاسرائيلي، بما في ذلك «حق المواطنين اللبنانيين في مقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».
وشدّد البيان على أن تسهل الحكومة بيئة العمل الإقتصادي في لبنان وتعزيز دور القطاعات الإنتاجية (الصناعية والزراعية والسياحية) وتنظيمها وتطويرها، والتخطيط للاصلاحات والمشاريع البنيوية والإقتصادية والإنمائية.
كما أعلنت التزام الحكومة تسريع الإجراءات المتعلقة بدورة التراخيص للتنقيب عن النفط واستخراجه، بإصدار المراسيم والقوانين اللازمة مؤكدة حق لبنان الكامل في مياهه وثروته من النفط والغاز، وبتثبيت حدوده البحرية، خصوصا في المنطقة الإقتصادية الخاصة.
ولم يخل البيان من التزام الحكومة مواصلة العمل مع المجتمع الدولي لمواجهة اعباء النزوح السوري واحترام المواثيق الدولية، مشيراً الى انها لم تعد تستطيع وحدها تحمل هذا العبء الذي اصبح ضاغطا على وضعها الاجتماعي والاقتصادي والبنيوي بعد ان وصل عدد النازحين الى اكثر من ثلث مجموع سكان لبنان، مطالباً المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤوليته تجاه التداعيات التي اصابت شرايين الخدمات والبنى التحتية من كهرباء وماء وطرقات ومدارس ومستشفيات وغيرها التي لم تعد تستوعب والوفاء بالتزاماته التي اعلن عنها في المؤتمرات المتلاحقة خصوصا في ما يخص دعم وتطوير هذه البنى، معتبراً ان الحل الوحيد لازمة النازحين هو بعودتهم الامنة الى بلدهم ورفض اي شكل من اشكال اندماجهم او ادماجهم في المجتمعات المضيفة والحرص على ان تكون هذه المسألة مطروحة على رأس قائمة الاقتراحات والحلول للأزمة السورية.
اللواء : التسوية تجتاز أول اختبار: ثقة مئوية للحكومة
اللواء : التسوية تجتاز أول اختبار: ثقة مئوية...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
263
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro