في السباق الوطني المتسارع نحو إعادة تثبيت ركائز الدولة واستنهاضها من غيبوبة الفراغ وسباتها المؤسساتي الطويل، تخطت حكومة الرئيس سعد الحريري محطة الثقة البرلمانية بسرعة قياسية على مسار الزخم والاندفاع نفسه الذي ميّز محطاتها السابقة، تكليفاً وتأليفاً وإقراراً للبيان الوزاري، لتحصد صباح اليوم ثقة وطنية عارمة بعزمها وقدرتها على الشروع في مهمة «استعادة الثقة بالدولة والدستور والوفاق (...) وترجمة الأمل والتفاؤل بإقرار قانون انتخاب جديد وبنهوض اقتصادي يعيد النمو ويلبي حاجات جميع اللبنانيين« كما تعهد الحريري أثناء تلاوته نص بيان حكومة «استعادة الثقة» أمام مجلس النواب، في جلسة شدد في مستهلها على كونها «تختصر كل ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وإنجازاتنا وتألقنا وعثراتنا وأزماتنا»، باعتبار «كل تحديات النجاح أو الفشل تُختصر بكلمة واحدة هي الثقة» التي كلما ارتفع منسوبها «كان الازدهار والاستقرار والنجاح» وكلما بدأت بالتراجع «يكون الواقع في طريقه نحو الفشل». إذاً، وتحت دفع منسوب الثقة المرتفع الذي أبدته أغلبية الكتل البرلمانية الوازنة في أول أيام «جلسات الثقة» الثلاثة، تقرر اختصار الكلمات والجلسات لتنتهي بذلك عملية مناقشة البيان الوزاري في جلستي الأمس الصباحية والمسائية على أن يعود المجلس إلى الاجتماع عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم للاستماع إلى ردّ الحكومة على مداخلات النواب والتصويت على الثقة بها.. إيذاناً بالانطلاق بدءاً من اليوم في مهمة «استعادة الثقة (...) والانتقال من الانقسام الحاد إلى الوحدة الوطنية ومن الخصومة والانقسام إلى التنوع والاختلاف»، بحسب ما وعد الحريري في كلمته أمس.

وفي أبرز وقائع «أول وآخر» أيام مناقشة بيان «استعادة الثقة»، فقد استُهل صباحاً بتلاوة مراسيم استقالة حكومة الرئيس تمام سلام وتسمية الرئيس الحريري وتأليف الحكومة، ثم تليت المادة الرابعة من النظام الداخلي والمتعلقة بملء الشواغر في مكتب المجلس وعضوية اللجان الدائمة بسبب التوزير. في حين لفت بري انتباه النواب قبل البدء بتلاوة البيان إلى بعض العبارات التي جرى تصحيحها فيه فضلاً عن إضافة الفقرة الخاصة بالمحكمة الدولية بعدما سقط تدوينها سهواً في الصيغة النهائية الأولية التي كان قد جرى توزيعها.

وعلى الأثر ألقى رئيس الحكومة كلمة توجّه فيها إلى المجلس قبل تلاوته البيان الوزاري بالتشديد على أنّ جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 31 تشرين الأول الفائت «لم تكن الجلسة السادسة والأربعين لملء الشغور بل الجلسة الأولى للعودة إلى الانتظام تحت قبة البرلمان لإعادة تأكيد ثقتنا بنظامنا الديمقراطي البرلماني وبالشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة التي يمارسها عبر المؤسسات الدستورية». وعلى وقع إشارته إلى «الواقع الخطير» اقتصادياً في البلد ربطاً بارتفاع نسبة الفقر والبطالة وانخفاض النمو، استعرض الحريري نص البيان الوزاري للحكومة التي أطلقت لنفسها عنوان «استعادة الثقة» باعتبار أنّ «الثقة هي أغلى ما يمكن أن يملكه بلدنا واستعادتها هي أسرع ما يمكن أن ننجزه»، طالباً من المجلس «استكمال الثقة» التي كان قد أطلقها «عندما أنهى عامين ونصف من الفراغ بانتخاب فخامة الرئيس ميشال عون رئيسا للجمهورية».

وبعد أن فنّد بنود ومضامين البيان (ص2)، التي أكدت الجهوزية الحكومية للشروع في تنفيذ «سلسلة أولويات على رأسها إقرار موازنة 2017 وإقرار التشريعات اللازمة والجاهزة أمام المجلس النيابي، وتقديم مشاريع قوانين تسهل بيئة العمل الإقتصادي في لبنان وتعزيز دور القطاعات الإنتاجية وتنظيمها وتطويرها، والتخطيط للاصلاحات والمشاريع البنيوية والإقتصادية والإنمائية»، فضلاً عن التعهد «بالعمل على أن تكون القضايا الوطنية التي تعني جميع اللبنانيين من دون استثناء في رأس جدول أعمال مجلس الوزراء»، توالى 22 نائباً من مختلف الكتل والمستقلين على المنبر لإبداء ملاحظاتهم والتعبير عن تطلعاتهم الحكومية، لتمنح في محصلة المشهد أغلبية نيابية وازنة الثقة للحكومة، بينما حجبها كل من كتلة «الكتائب اللبنانية» والنائب خالد الضاهر، في حين أعلن النائب بطرس حرب «الامتناع عن حجب الثقة وعن منحها» وأعلنت كتلة «التضامن» مقاطعة جلسات مناقشة البيان.