للإجابة على هذا السؤال لا بدّ من القول أنه ومنذ شهور كان يرتبط استرجاع حلب من قبل الجيش السوري وقوى حزب الله وإيران والطائرات المقاتلة الروسية بالإرادة السياسية أكثر مما هو موضوع عسكري مرتبط بمعادلات القوى الميدانية. ونعرف أن الولايات المتحدة كانت تعتبر أن أي تغيير في موازين القوى على الأرض السورية لصالح النظام سوف يكون على حساب التقدم في المفاوضات التي تريد أمريكا أن يكون تنحّي الأسد أو تنحيته نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لها.
لذلك وباعتبار الأهمية الرمزية لحلب ولكونها أهم مدينة ومنطقة سورية بل أيضاً العاصمة الاقتصادية لهذا البلد، فإن أي تغيير فيها له أثر مباشر على كامل الأرض السورية، وهذا ما كان الأتراك يعارضونه بقوة. بهذا المعنى، في زمان ما قبل الانقلاب الفاشل التركي كانت خسارة حلب بالنسبة لرجب طيب أردوغان تعدّ هزيمة كبيرة وتعمل على تقوية بشار الأسد مقابل معارضيه المدعومين من قبل تركيا.
لابد من تذكر أن في السنتين الأوائل من الإضرابات والاحتجاجات في سورية والتي بقيت فيها حلب بعيدة عن موجات الإضراب لم يشعر النظام السوري بالخطر الكبير وكان على الدوام يأخذ من الهدوء في حلب مثالاً على استقرار الأوضاع. أما بعد سقوط حلب بيد المعارضة أصبحت دمشق أيضاً مهددة بالسقوط.
هذه المكانة الرمزية المتميزة لمدينة حلب هي التي جعلت تركيا توظّف كل إمكانياتها لمنع سقوطها في أيدي النظام السوري وكانوا موفقين في ذلك، حيث وفيما كانت قوات الجيش وحلفائه يعملون على استرجاع هذه المنطقة الاستراتيجية، نجحت فجأة ضعوطات رجب طيب أردوغان على أمريكا التي وضعت خطوطاً حمراء أمام الروس وأعلن توقف التقدم في منطقة حلب.
بالنتیجة أدى قبول الروس بالخطوط الحمراء الأمريكية إلى زيادة خسائر إيران وحزب الله والجيش السوري وبالطبع سبب هذا الأمر هو انقطاع الروابط بين مراكز الأبحاث العسكرية وتلك السياسية والاستراتيجية، وبرأيي أن إيران وحزب الله دفعوا ثمن التفاؤل المفرط بروسيا وثمن عدم الفهم الدقيق للدبلوماسية العسكرية الروسية في سورية. كان التصور الغالب في إيران وحزب الله أن بوتين دخل المعركة السورية بدون التفات لرغبة أمريكا وفقط بطلب من إيران في حين أن أمريكا قد أعطت الضوء الأخضر للروس منذ زمن للتدخل العسكري في سورية، وهذا القبول الأمريكي کان يظهر جلياً بمراقبة مواقع القوات الروسية بعد قصفها لمواقع قوات معارضي الأسد لأول مرة بالطائرات الروسية.
أما عندما كان يلعب ذاك القصف دوراً في مساعدة الجيش أو المستشارين الإيرانيين وحزب الله لاستعادة السيطرة في أكثر المناطق حيوية كان يحول الدور التركي من حدوث هذا الأمر.
ولكن الشهور الأخيرة شهدت قلباً في موازين القوى أولاً بعد الانقلاب التركي الفاشل الذي تبين للأتراك من خلاله أن أمريكا ليست قابلة للثقة ولا يمكن التعويل عليها وبدأت تركيا تعيد النظر في علاقاتها مع إيران وروسيا ومالت إليهما، فلم يعد عندها ذاك التحفظ بالنسبة لحلب وعودتها إلى أحضان النظام، ناهيك عن أن الرئيس بوتين صرح بعد معركة حلب الأخيرة بأن استرجاع حلب كان ناتجًا عن تعاون الإيرانيين والأتراك.
ثانياً إن استرجاع حلب كان ناتجه أيضاً وضع اللاحسم الموجود في الإدارة الأمريكية حيث أنها تعيش مرحلة انتقالية وإدارة الرئيس أوباما تقضي أنفاسها الأخيرة ولا حول لها ولا قوة.