لم يكن تمام سلام يتوقع أن يأتي يوم يصبح فيه رئيساً للحكومة. كانت الفكرة تراوده، لكنه يستبعدها، إستناداً إلى الظروف السياسية. فسعد الحريري "الزعيم السني" الأوسع، وولي الدم الحديث، لم يسمح له بترؤس الحكومة أكثر من سنتين. حدّة الإصطفاف السياسي العمودي بين فريقي الصراع، لم تغذّ طموح سلام بعودة الرئاسة الثالثة إلى دارة المصيطبة. هذه القناعة لازمته حتى وهو قابع في السراي الحكومي، فهو أكثر العارفين بأن الظروف هي التي عادت وأحيت رئاسة دار آل سلام. وحتى بعيد تكليفه برئاسة الحكومة، كان يؤكد مراراً أنها ستكون قصيرة الأمد، ولبضعة أشهر، ويصفها بحكومة الإعداد لإجراء الانتخابات النيابية، وبعدها سيعيد الأمانة لأصحابها، أي للحريري.

تحولت الأسابيع القليلة إلى أشهر والأشهر إلى سنوات. ثلاث سنوات وسلام حاملاً لقب دولة الرئيس، أحد عشر شهراً منها رئيساً مكلفاً. ولدت حكومته في أصعب الظروف الإقليمية والدولية، وفي عز الصراع حول سوريا، لكنها استمرت، مع بعض المكاسب السياسية التي حسبت له في الشارع السني، أبرزها الخروج عن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. وساعدت الظروف على إطالة أمد حكومة البيك البيروتي، فلم تجر الانتخابات، ودهم الفراغ إلى قصر بعبدا، فتحول سلام إلى ما يشبه رئيساً لكل السلطات.

الظروف التي ساعدته لم تكن رياحها مؤاتية مع الحريري. فمن كان يستبعد ترؤسه الحكومة، طال عمر حكومته، ومن يعتبر نفسه الأحق برئاسة السلطة الثالثة، أقيلت حكومته بعد أقل من سنتين على تشكيلها. وإذا ما جمعنا هاتين السنتين إلى عمر حكومته الثانية، الجديدة، وهي قصيرة الأمد ومهمتها الإعداد للانتخابات النيابية وإجرائها، فستبقى مدة رئاسة الحريري حكومتين أقل من المدة التي أمضاها سلام رئيساً لحكومته. وهنا، يصحّ منطق "طالب الولاية لا يولّى". فسلام الذي لم يكن يتوقع ذلك امتد عمر حكومته، فيما الحريري الذي يعتبر الرئاسة حقه عاكسته الظروف.

لا يمكن لأحد أن ينسى تمام سلام. مرّت حكومته في أصعب الظروف، وخصوصاً في مرحلة ما بعد الشغور الرئاسي، ومن لا يذكر تعمّد وزير الخارجية جبران باسيل وزميله الياس بو صعب، إفتعال مشكل مع سلام أمام عدسات الكاميرات، في محاولة استعراضية، ما دفع برئيس الحكومة إلى رفع صوت، وضرب يده على طاولة مجلس الوزراء، متوجهاً إلى باسيل بالقول أنا الرئيس هنا، وأنا أقرر ما هو المسموح وما هو الممنوع. هذا ما نزل برداً وسلاماً على الشارع السني الذي كان يعاني الغبن، فطرح سؤال عما إذا كان الحريري مكان سلام، ما الذي سيفعله. شبّه صبر سلام بصبر أيوب، وهو ما دفع أحد الوزراء بعد إحدى الجلسات الصاخبة إلى إستبدال أيوب بسلام. وقيل إن صبر سلام بدأ ينفذ. وقد هدد أكثر من مرة بالإستقالة، لكن موفدين سياسيين وديبلوماسيين طلبوا منه العودة عن استقالته لأن الوضع لا يسمح بها.

منذ انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون، غادر سلام السراي الحكومة، عاد إلى يومياته في المصيطبة. استمرّ داره مفتوحاً للبيروتيين وغيرهم. يعيش براحة ضمير، فقد أدى قسطه للعلى. ويعتبر أن العبء الذي أثقل كاهله انزاح عنه، خصوصاً أن المرحلة الصعبة التي عاشها مديراً لشؤون اللبنانيين، ظلمته، ولم تظلمه وحده، بل البلد كله كان أسير الظلم الذي عاناه. بالنسبة إليه الآن الفترة للاستراحة، آملاً استمرار المناخات الإيجابية، لتنجز الحكومة الجديدة ما لم تستطع حكومته إنجازه بسبب الظروف.

العلاقة مع الحريري أكثر من ممتازة، وهذا ما يفرحه. أما الحديث عن المستقبل، فيطغى عليه التفاؤل المستمد من تعاطي البيروتيين مع دارة المصيطبة، وخصوصاً أن سلام لا يطمح للإستثمار باللقب بهدف "تشكيل" كتلة نيابية، أو ترشيح محسوبين عليه، أو ترشحه هو بنفسه للانتخابات. فالأمر لا يزال مبكراً، ولكن لمَ لا. لكن الأكيد، أنه لا يدخل السلطة من باب المنافسة. وإذا أراد الترشح فبالتأكيد إستناداً إلى العلاقة الممتازة مع الحريري.