مضى نحو شهرين ونصف الشهر على انطلاق ما عرفت بمعركة قادمون يا نينوى لتحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على المدينة في يونيو/ حزيران 2014. وعلى الرغم من حجم القوات المشاركة والغطاء الجوي الأميركي الذي لا ينقطع، إلا أن الحسم تأخر كثيراً، خصوصاً في ظل دفاعٍ ربما لم يكن متوقعاً من تنظيم الدولة الإسلامية، واستعدادات وتحصينات فاجأت المهاجمين، وأيضاً زادت من تعقيدات وضعهم السياسي، وليس العسكري فحسب، فلماذا تأخر الحسم في معركة الموصل؟ وأين ذهبت القوات المشاركة في المعركة التي وصل عددها، بحسب تقديراتٍ، إلى 120 ألف جندي، ناهيك عن سلاح جوي أميركي وذخائر لا تنفد؟
تنقل مجلة بولتيك الأميركية عن ضابط عسكري أميركي لم تسمه أن الفرقة الذهبية، صفوة القوات العراقية الخاصة، والتي دربتها الولايات المتحدة، فقدت ما يقارب نصف جنودها، وإنه في حال استمر القتال شهراً آخر، فان هذه القوة الخاصة ستخرج من المعركة.
قيل عن الفرقة الذهبية الكثير، وعدّها مسؤولون عسكريون عديدون في بغداد وواشنطن بأنها خيرة ما تم إعداده من قوات عراقية عقب الغزو الأميركي عام 2003، كما أن الولايات المتحدة اشترطت أن تكون هذه الفرقة القوة الوحيدة التي تدخل الموصل، بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية منها، كونها، والكلام للأميركان، قوة مدربة وغير مخترقة من المليشيات الشيعية، وأن التجارب في الرمادي تحديدا أثبتت أن هذه القوة لا تثير نعراتٍ طائفية للمناطق التي تدخلها، بخلاف قطعات الجيش العراقي الأخرى، ناهيك عن المليشيات المنضوية تحت "الحشد الشعبي".
بموازاة ذلك، ومع تأخر الحسم العسكري في الموصل، على الرغم من كل التصريحات العراقية تحديدا، المتفائلة بحسم قريبٍ مع انطلاق المعركة، فإن تصريحات أخرى من مسؤولين عراقيين عن تغيير في الخطة العسكرية للمعركة، في وقت طالب نائب الرئيس العراقي، أسامة النجيفي، واشنطن والمجتمع الدولي بدعم عسكري أكبر لحسم المعركة.
"نجح تنظيم الدولة الإسلامية في امتصاص الضربة الأولى، وأعاد تمركزه، بل راح يهاجم ويستعيد مناطق خسرها مع انطلاق المعركة، ما يؤشر إلى أن لديه نفسا طويلا للدفاع عن المدينة"
المدنيون الذين طالبتهم بغداد بالبقاء في منازلهم مع انطلاق معركة الموصل يدفعون، قبل غيرهم، فاتورة تأخر الحسم في الموصل، وأيضا فاتورة القصف العشوائي الذي تنفذه طائرات عراقية ومدفعية القوات المسلحة، ناهيك عن قصف المليشيات الشيعية في المحور الغربي من المدينة، يضاف إلى هذا كله القصف العشوائي لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية على المناطق التي يستعيدها الجيش.
أما لماذا تأخر الحسم العسكري، على الرغم من أن أكثر التقديرات تشاؤماً كان يتحدّث عن شهرين لاستكمال استعادة الموصل من قبضة التنظيم، فيبدو أن للأمر علاقة ليس في خلافات القوات المشاركة وأجنداتها السياسية والعسكرية، وإنما أيضا بالاستعداد الكبير والمفاجئ لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، فلقد تحدثت تقارير صحافية لمراسلي الصحف الأميركية تحديداً، ومنها "واشنطن بوست"، إن المناطق التي يدخلها الجيش العراقي لا يمكن أن تسمى مناطق محرّرة، كون مقاتلي التنظيم حفروا أنفاقاً "ومدناً تحت الأرض"، مكّنتهم من استعادة عديد من تلك المناطق، بحسب ما نقلته الصحيفة عن ضابط عراقي.
مكث التنظيم سنتين في الموصل، لم تتحرّك ضده أي قوة عسكرية لمباغتته، واستعادة المدينة منه، وهي فترة كافية على ما يبدو، استغل فيها كل الإمكانات الكبيرة المتوفرة في الموصل أصلاً لتحصين مواقعه. وبالتالي، قد تأخذ عملية استعادة المدينة وقتاً أطول وبضحايا أكبر، إذا ما أصرّت بغداد على استعادة المدينة "بأي ثمن"، كما صرّح أحد ساستها قبل أيام، في إشارةٍ إلى نظرية الأرض المحروقة التي طبقت في الرمادي، وأدت إلى تدمير 80% من المدينة.
ولا يبدو أن التنظيم في وضع سيئ، كما تصور بيانات حكومة بغداد، فلقد نجح التنظيم في امتصاص الضربة الأولى، وأعاد تمركزه، بل راح يهاجم ويستعيد مناطق خسرها مع انطلاق المعركة، ما يؤشر إلى أن لديه نفسا طويلا للدفاع عن المدينة.
بغداد، ومعها الولايات المتحدة الأميركية، في وضع حرج، ويبدو أن تأجيل الحسم وعدم قدرة القوات المهاجمة على إنجازه بعد شهرين ونصف الشهر، قد يدفع القوات المهاجمة إلى ارتكاب حماقةٍ، تتمثل بقصف عشوائي يستهدف المناطق الآهلة بالسكان، لإجبار التنظيم على التراجع أو الانسحاب حتى.
وربما يكون الخيار الآخر الذي لا يقل مرارةً عن خيار الأرض المحروقة، هو الاستعانة بشكل أكبر بمليشيات الحشد الشعبي، بدعم وغطاء أميركيين كاملين، وهو ما صرّح به زعيم مليشيات النجباء، أكرم الكعبي، قبل أيام، والذي قال إن الحسم في الموصل سيكون على يد "الحشد الشعبي"، وهو خيار قد يفتح أبواب الأزمة الطائفية على مصراعيها في العراق.
إن واحداً من أهم أسباب تأخر حسم معركة الموصل هو تأخر انطلاقتها عامين، كانا كافيين ليستعد تنظيم الدولة الإسلامية جيداً، ولتتوسّع رقعة الخلاف بين الفرقاء في العراق. ويبدو أن الأيام المقبلة ستكون حافلةً بمزيد من الخلافات، ما سيسهم في تأخر حسم معركة الموصل، وفي ارتفاع كلفتها الإنسانية المرتفعة أصلاً، في ظل ما يعانيه أهل الموصل، سواء من نزح منهم، أو من فضل البقاء في بيته بانتظار فرجٍ، لا يبدو أنه سيكون قريباً.
إياد الدليمي