يسنُد كلا الحزبين ظهر الآخر رغم حزم من الخلافات القائمة بينهما، ويلعب دم الشهيد رفيق الحريري دوراً حائلاً بين تماهيهما في السياسة الداخلية وتعاونهما كأصدقاء وحلفاء لا كأعداء ولكن أكثر انسجاماً من أيّ حليفين طبيعيين في السياسة والعقيدة .
يتصور الكثيرون من اللبنانيين أن تيّار المستقبل أكثر أعداء حزب الله في الداخل ويعتقد آخرون أن لبنان منقسم بين جهتين يقود حزب الله جهة 8 آذار وتيّار المستقبل جهة 14 آذار أو أيّ مسمًّى جديد بعد سقوط قوى آذار في حفر التسويات.
المتابعون بجد لعلاقة حزب الله بتيّار المستقبل يجد شراكة فعليّة وتعاطي إيجابي ومثمر وخاصةً في الظروف الصعبة لكلا الطرفين إذ يندفع الأول لتعزيز الثاني والعكس صحيح ويمكن البدء في استعراض التعاون بين الخصمين من تاريخ نهاية عهد الوصاية السورية بحسب التعبير الدارج لقوى 14 آذار وبعَيدَ اغتيال الشهيد رفيق الحريري ودخول البلاد والعباد في أزمّة متعددة الوجوه والمناشط.
إقرأ أيضًا: جثث حلب في كيس أميركي
أوّل الغيث بين العدوين وبعد اتهامٍ بالدم والقتل والموالاة لسورية كان الاتفاق الرباعي وهو في جوهره اتفاق بين حزب الله والمستقبل على تقاسم السلطة حصصاً نيابية ووزارية وبعد تدهور الرباعي جاء اتفاق الدوحة ليعيد إنتاج المحاصصة نفسها بين الجهتين ومع تدهور اتفاق الدوحة ولدت اتفاقيات لصالح الحزبين حتى أثناء حكومة ميقاتي والتي غادرها المستقبل قسراً، كان الطرف الآخر يلحظ مصالح خصمه في السياسة والأمن وبعد تدهور حكومة ميقاتي جاءت حكومة سلام لتعكس طبيعة التلاقي بين الحزبين، ومع نهاية دور سلام وحكومته جاءت صفقة الرئاسة من أوسع الأبواب لتشمل محاصصة شاملة وكاملة بين حزب الله وتيّار المستقبل .
في الخدمات الأمنية والطائفية لعب حزب الله الدور الكامل في تعزيز تمثيل المستقبل للطائفة السنية من خلال المساهمة في محاصرة قوى سياسية ودينية ناشئة على حساب الحريرية السياسية من الأسير إلى الوزير الريفي وما بينهما من قوى منتشرة في المخيمات والبيئات السنية وكلها عناوين تسعى لتحسين شروط تمثيلها للطائفة بعد أن عجز التيار المعتدل عن حماية نفسه قبل حماية الطائفة أمام أحزاب الطوائف الأخرى .
ولولا تدخل حزب الله في طرق متعددة لتقليم أظافر البديل الجديد للتمثيل السني لكان المستقبل في خبر التطرف الذي جاء وولد نتيجة عجز الحريرية عن قيادة وضع طائفي أصبح دقيقاً للغاية بعد تشظّي الوحدة القائمة بين اللبنانيين ومهما كانت هشّة .
حتى اللحظة، يجاري حزب الله المستقبل في الاتفاق معه على مشروع انتخابي يعمل لصالح المستقبل لأن الحسابات داخل الطائفة السنية ليست لصالح الرئيس الحريري كما دلّ على ذلك مؤشر الانتخابات البلدية ومن ينجح في الانتخابات النيابية ينجح في مسك زمام أمور الطائفة .
إقرأ أيضًا: ماذا بعد داعش ؟ أفيدونا ترحمكم الشعوب
في الاستعراض لطبيعة العلاقة الودية والمصلحية بين حزب الله والمستقبل قد لا تنفذ فاصلة سياسية إلاّ ولها دلالة على عمق العلاقة الإيجابية بينهما وهذا الاستعراض يشمل أيضاً خدمات يوفرها المستقبل لحزب الله، فالأوّل اختار الحزب كي يكون شريكه في مقاسمة السلطة بعد خروج سورية أي أنه مدّ يده للتعاطي مع من يتهمه بقتل أبيه وأدار ظهره للرئيس نبيه بري ومن ثمّ ثبّت مقولة الجيش والشعب والمقاومة في كل البيانات الوزارية بما فيهم بيان الحكومة الحالية ولم يقم بأيّ خطوة عملية خارج اللحن الخطابي ضدّ دور حزب الله في سورية ولم يمدّ تيار المستقبل يده للتعاطي الإيجابي مع أي حالة شيعية خدمة للحزب حتى أنه أراد حذف الرئيس نبيه بري من السلطة ظنّاً منه أن ذلك يرضي حزب الله كما أنه كان أوّل المتعاونين الأمنيين والسياسيين مع الحزب إن داخل السلطة أو خارجها .
ما ذُكر هو مختصر لعلاقة من أقوى العلاقات السياسية والأمنية القائمة بين الأحزاب اللبنانية الفاعلة ويمكن استحضار شواهد أخرى أكثر التصاقاً بعلاقة هي في الشكل خلافية ولكنها في الجوهر علاقة محسوبة بدقة بين تيارين يركضان خلف مصالح بعضهما بطريقة جنّنت الكثيرين من المتحمسين الطائفيين من جماعات الهويات العصبية والهوس السياسي والمذهبي .