حاول أوباما الفصل بين إسرائيل كدولة وحكومة وشعب تربطها بالولايات المتحدة الأميركية علاقة أكبر من إستراتيجية وبين شخص رئيس حكومتها نتنياهو.
فالأخير كان يتمنى ولا يخفي أمنيته بخسارة أوباما في الدورة الرئاسية الثانية له وأوباما أيضا كان يتمنى خسارة نتنياهو في الإنتخابات الصهيونية، وكلا الأمنيتين لم تتحققا.
فإضطر الطرفان إلى تحقيق حد أدنى من التواصل بينهما بحكم العلاقات بين البلدين.
دعوا المؤامرة جانبا:
ما حصل خلال فترتي أوباما الرئاستين مع نتنياهو ليس خداعا أو توزيع أدوار، ومن الضروري النظر إلى هذا الملف بالتحديد من زاوية يستبعد فيها نظرية المؤامرة ولو لمرة واحدة.
فالذي جرى كان له تبعات على الأرض مرفق بتصريحات نارية وإنتقادات متبادلة في وقت كان أعداء الكيان الصهيوني في المنطقة يتقاتلون ومتناسين القضية الفلسطينية والخطر الإسرائيلي.
لذلك إستغلت إسرائيل هذا الإقتتال العربي والإسلامي لتوسع نشاطاتها الإستيطانية في الضفة الغربية منتهكة جميع الإتفاقيات السابقة وأعلن نتنياهو لأول مرة وبصراحة رفضه الإعتراف بدولة فلسطينية مكتملة المواصفات الطبيعية ووضع شروط تعجيزية كمثل أن تكون منزوعة السلاح ولاحقا أعلن عن رفضه لحل الدولتين وإشترط إعتراف عربي وإسلامي بيهودية الدولة.
بالمقابل كان أوباما وإدارته يعلنون تمسكهم بحل الدولتين ويدعون إلى إستئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويوجهون إنتقادات لاذعة للمشاريع الإستيطانية الصهيونية.
هذه الإنتقادات ترجمت لاحقا عقوبات إقتصادية من قبل الإتحاد الأوروبي تقرر بموجبها منع إستيراد البضائع الإسرائيلية المصنعة في المستوطنات الغير قانونية بحسب معايير الإتحاد في الضفة.
ووكل أوباما وزير خارجيته جون كيري بملف المفاوضات الإسرائيلية والفلسطينية وبعد رحلات مكوكية أعلن فشله وحزنه بالوقت نفسه لأن الفشل كان رسالة سياسية واضحة من نتنياهو وتحدي لإدارة أوباما.
لم يوفر نتنياهو أي فرصة لإفشال محاولات أوباما في تحريك ملف المفاوضات والسعي لحل الدولتين وشن حرب مدمرة على قطاع غزة جلب فيها الدمار على سكان القطاع وجلب أيضا رضوخا من أوباما للتضامن مع إسرائيل والذي يعتبر أمنها خطا أحمرا في السياسة الخارجية الأميركية أكبر من العلاقات الشخصية بين الرؤساء.
إقرأ أيضا : أميركا بعد أوباما: عقيدة مختلفة وعالم جديد
صفقات تسلح قياسية:
وتاريخيا، تعتبر إسرائيل قاعدة عسكرية متقدمة لأميركا والغرب وعندما يتهددها أي خطر يتم نسيان العلاقات الشخصية والتركيز على تعزيز أمنها.
أوباما لم يحد عن هذه القاعدة على رغم سوء العلاقات الشخصية مع نتنياهو، فأعلن دعمه لإسرائيل في حربها على غزة وسلح إسرائيل بصفقات تعتبر الأضخم في تاريخ البلدين.
فما هو مطلوب لتعزيز أمنها يجب أن يتحقق وينفذ بمعزل عن سوء العلاقات الشخصية بين الرؤساء.
لكن بالمقابل كان الملف النووي الإيراني والإتفاق الذي حصل بمثابة ضربة قاسية تلقاها نتنياهو من أوباما، فالأول لم يكن يرضى بهكذا إتفاق يعتبره إنتصارا لإيران أما أوباما فلم يهتم بالرفض الإسرائيلي وأنجزه.
قرار مجلس الأمن الدولي الأخير:
تراكم الحقد بين الشخصين ليضرب أوباما ضربته الأخيرة في الوقت بدل الضائع بعد إنتخاب دونالد ترامب ويسمح بتمرير القرار 2334 في مجلس الأمن الدولي القاضي بإدانة مشاريع إسرائيل الإستيطانية ودعوتها لإيقاف هذه المشاريع.
لم يستخدم أوباما الفيتو ضد القرار ولم يصوت له وهذه مفارقة بالغة الأهمية.
كانت ضربة معلم في الوقت الحرج وبثمن قاس على نتنياهو، فالقرار أصبح نافذا حتى لو كان معنويا ولم يترجم على الأرض لكنه سيشكل ضغطا معنويا على إسرائيل ومصدر إزعاج لها ومن لا يدرك أهمية القرار عليه فقط مراقبة ردة الفعل الإسرائيلية عليه وحجم الغضب الكبير المشتعل داخل الكيان ومستوى الإستنفار الديبلوماسي التي بادرت الحكومة الإسرائيلية إلى رفعه للجم تبعات القرار.
هذا الإزعاج عبر عنه نتنياهو نفسه عبر تغريدة على صفحته الرسمية على تويتر قال فيها: " يذبح نصف مليون سوري وعشرات الألوف بالسودان والشرق الأوسط يحترق وأوباما ومجلس الأمن يلاحقان إسرائيل الديمقراطية الوحيدة بالمنطقة. يا للعار!".
فعلها أوباما في وقت حساس ووجه صفعة تاريخية لنتنياهو قد تهدد مستقبله السياسي، وهذا ما بدأت تستغله المعارضة الإسرائيلية التي حملت مسؤولية القرار لنتنياهو بفعل سياسته التي حولت إسرائيل إلى عدو لكل العالم بحسب تعبير المعارضة.
ويقود هذه الحملة حاليا داخل إسرائيل الثلاثي إسحاق هرتسوغ رئيس المعارضة في الكنيست وتسيبي ليفني عضو الكنيست ويائير لابيد رئيس حزب "هناك مستقبل" وجميعهم يحملون المسؤولية لنتنياهو.
صفعة أوباما التاريخية لن ينساها نتنياهو.
إقرأ أيضا : عقيدة أوباما... تحول جذري في السياسة الأميركية.