ينتظر اللبنانيون أن تكتمل فرحة العيد، بصفحة جديدة يفترض ان ينتقل اليها لبنان، توسّع المساحات المشتركة ونقاط الالتقاء بين مكوّنات المجتمع اللبناني. وهنا يكمن التحدي الكبير أمام الطاقم السياسي على كل مستوياته لكَسبه، بما يترجم آمال كل اللبنانيين وتطلعاتهم، ويقودهم الى كل ما يجمع.
والرهان في هذا المجال يبقى على الانطلاقة الحكومية الجديدة في سلوك خريطة طريق نحو الترجمة الحقيقية والجدية لمهمتها الجليلة التي تبدأ وتنتهي عند توفير الامن والامان للبنانيين، بعيداً من التذرّع بضيق الوقت، أو بمهمة محصورة بإعداد قانون الانتخابات من دون أي أمر آخر، او في التلهّي بالصغائر والمكايدات والمزايدات والاختلاف حتى على جنس الملائكة.
رسائل الميلاد
وعشيّة الميلاد، عَمت أجواء الفرح وترجمت بإضاءة المدن والبلدات من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب مروراً بالبقاع والجبل وبيروت، وفي وقت يشعر مسيحيّو لبنان بالإرتياح النسبي نتيجة انتخاب رئيس الجمهورية، فإنّ هاجس الإرهاب المتفشّي الذي لا يفرّق بين مسلم ومسيحي ما زال مسيطراً، وقد عبّرت عن هذا الخوف رسائل الميلاد التي توجّه بها بطاركة الشرق قبَيل العيد.
وفي هذا الإطار، وبعدما عادت أضواء العيد الى قصر بعبدا، سيَتلو البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالة الميلاد اليوم، حيث من المنتظر أن يركّز على الأبعاد الدينية والروحية لهذه المناسبة، ويتطرّق الى الوضع السياسي في لبنان خصوصاً بعد انتخاب رئيس الجمهورية وما يمثّل هذا الحدث من تغيّر إيجابي على صعيد عمل المؤسسات.
كذلك من المتوقّع أن يتناول التوازنات الداخلية وأهمية إجراء الانتخابات النيابية وإقرار قانون انتخاب عادل، إضافة الى انطلاقة الحكومة وأزمة النازحين والوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه لبنان.
كما سيحضر وضع المنطقة في رسالة سيّد الصرح، خصوصاً مع استمرار الحروب في الشرق وتهجير سكانه، واستمرار تدمير البشر والحجر.
وفي الجو الميلادي أيضاً، أقيم «ريسيتال» في القصر الجمهوري مساء أمس، تمنّى خلاله الرئيس ميشال عون أن تمرّ الاعياد بفرح على اللبنانيين وان نعمّر لبنان في الأيام المقبلة»، مُعايداً جميع اللبنانيين بمناسبة الأعياد.
على طريق الثقة
في السياسة، ها هي الحكومة تواصل خطوها في أجواء توافقية نحو إكمال بنيتها، وباتت قاب قوسين أو أدنى من الحصول على ثقة المجلس النيابي، ربما أواسط الاسبوع المقبل، بما يمنحها فيزا الانطلاق وتزييت عجلاتها ودخول حلبة السباق مع الوقت الضاغط في اتجاه أعداد موازنة عامة تملأ الفراغ المالي المستمر بلا موازنة منذ العام 2005، وكذلك في اتجاه إعداد قانون انتخابي جديد بديل لقانون الستين.
ولقد وضعت لجنة صياغة البيان الوزاري الصياغة النهائية للبيان في جلستها الثانية التي انعقدت في السراي الحكومي برئاسة الرئيس الحريري على مدى ثلاث ساعات.
وعلمت «الجمهورية» انّ النقاش كان هادئاً ولم يحصل فيه ايّ خلاف جوهري، باستثناء بعض التباين حول الموضوع المتعلّق بالمقاومة.
ومن المقرر ان يبتّ مجلس الوزراء بالبيان الوزاري في الجلسة التي تنعقد اليوم عند الحادية عشرة قبل الظهر في االقصر الجمهوري، لإقرار البيان، علماً انّ «القوات اللبنانية» وبحسب مصادر اللجنة، بقيت عبر ممثلها في اللجنة الوزير بيار ابي عاصي متمسّكة بموقفها لجهة اعتماد هذا البند بصيغته الواردة في خطاب القسم للرئيس عون، فيما وزيرا أمل علي حسن خليل و«حزب الله» محمد فنيش طلبا أن تكون الفقرة نفسها الواردة في بيان حكومة الرئيس تمام سلام، وأيّدهما في ذلك باقي الوزراء بمَن فيهم الرئيس الحريري. الّا انّ ابي عاصي طلب التريّث حتى اليوم لإعطاء جواب نهائي في جلسة مجلس الوزراء. وما عدا ذلك، جرى توافق على كل مندرجات البيان بشقّيه: السياسة العامة والسياسة الاقتصادية والمالية.
وأكدت المصادر لـ«الجمهورية» انّ البيان يقع في أربع صفحات فولسكاب، تتناول السياسة العامة وبرنامج الحكومة ودورها في مقاربتها. وقد اعتمد في ما خصّ المقاومة، الفقرة المدرجة في بيان حكومة الرئيس تمام سلام. امّا في الشق الانتخابي، فتضمّن فقرة مُستوحاة من وثيقة الوفاق الوطني التي تتحدث عن المعايير والتوازن وتؤكد على صحة التمثيل وسلامته. فيما خلا البيان من أية إشارة الى النأي بالنفس بل جَرى النص على مواجهة الارهاب، بحسب الصيغة الواردة في خطاب القسم.
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: إنّ «القوات» سجّلت اعتراضاً شديد اللهجة على الفقرة التي في البيان الوزاري والمتصلة بـ«الحق بالمقاومة للشعب اللبناني»، وطالبَت باستبدالها بالفقرة التالية «الحقّ بالمقاومة للدولة اللبنانية»، واعتبرَت أنّ الصيغة الأولى تُشرّع الفوضى وتَفتح الوضعَ اللبناني على المجهول وتتجاهل تماماً وجودَ الدولة اللبنانية، وكأنّ لبنان هو العراق، حيث هناك مقاومة من دون دولة، فيما الصيغة الثانية التي أصرَّت «القوات» على اعتمادها تؤكّد على مرجعية الدولة اللبنانية، ومرجعية الدستور، ومرجعية القوانين المرعيّة، وأيّ كلام خلاف ذلك يَعني الإصرار على تغييبِ الدولة في لبنان».
وشدّدت هذه المصادر على «أنّ المطلوب اعتماد الفقرة الواردة في خطاب القسَم «أمّا في الصراع مع إسرائيل، فإنّنا لن نألوَ جهداً ولن نوفّر مقاومةً، في سبيل تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلّة، وحماية وطننا من عدوّ لم يزَل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية»، حيث إنّ الرئيس عون يقول إنّ الدولة لن توفّر مقاومة، وبالتالي يفترض بالحكومة بدورها أن لا توفّر مقاومةً في سبيل تحرير ما تبقّى من أراض، وليس الذهاب إلى معادلات تطيح بوجود الدولة ودورها، وما ورَد في خطاب القسم لا يختلف عمّا ورَد أساساً في «اتفاق الطائف» لجهة أنّ المرجعية الوحيدة في استعادة الأرض هي الدولة اللبنانية، ولذلك يجب العودة باستمرار إلى اتفاق الطائف».
واعتبرَت مصادر «القوات» «أنّ الهدف من إدخال هذه الفقرة إحياء الانقسام الوطني في لبنان، لأنّ هذه الفقرة تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من المعادلة الانقسامية المعلومة «جيش وشعب ومقاومة»، فيما الأمل كان الابتعاد عن النقاط الخلافية والتركيز حصراً على المساحات المشتركة، والاستفادة من المناخات التفاؤلية التي ظهرَت مع تشكيل الحكومة، من أجل توظيفها في انطلاقةٍ واعدة للحكومة ومنتجة».
وأسفَت «لهذا النهج المعتمَد الذي يُصرّ على وضعِ العراقيل أمام العهد الجديد، ومِن الاعتراض على خطابَي القسَم والاستقلال، إلى تأخير تأليفِ الحكومة ووضعِ فيتوات وشروط وحواجز، وصولاً إلى تمرير جملة مفخّخة في البيان الوزاري كلُ الهدف منها مواصلة مناخات الاحتقان ومنعُ العهد الجديد من أن يَحكم ويُنجز».
ورأت المصادر نفسُها «أنّ ما ورد في المسوّدة يتناقض مع كلام السيّد حسن نصرالله الذي دعا إلى تجاوزِ الخلافات وأكّد أنّ الحكومة ليست حكومة «٨ آذار»، فيما الهدف من تضمين المسوّدة تلك الفقرة القول إنّ الحكومة هي حكومة «٨ آذار»، وهي ليست كذلك إطلاقاً».
ودعَت المصادر «القوى الحكومية إلى شطبِ هذه العبارة في جلسة اليوم واستبدالِها بحقّ الدولة، وخلافُ ذلك ستكون نقطةً سوداء وتؤشّر في وضوح إلى النيّات التعطيلية»، وقالت إنّ جلّ ما تريده «القوات» اعتماد خطاب القسَم نصّاً وروحاً، والابتعاد عن المعادلات الانقسامية التي ستنعكس سلباً على الانطلاقة الحكومية وانتظارات الناس وآمالِهم».
القانون الانتخابي
وعلى الخط الانتخابي، عكس الحوار الانتخابي ايجابيات حول اجتماع لجنة الخبراء الانتخابيين، بين «حزب الله» وحركة «امل» وتيار «المستقبل». وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري «إنّ الاجواء مريحة». والمنطق نفسه عكسه مطّلعون على موقف «حزب الله»، فيما تحدثت أوساط تيار «المستقبل» عن انفتاح ومرونة وصراحة في العمق.
لكن السِمة الجامعة بين هذا الثلاثي هي أنّ الامور ما زالت في بداياتها، لكن مبدأ اعتماد النسبية صار مفروغاً منه، خصوصاً انّ الجميع باتوا على يقين من انه لم يعد هناك مكان لقانون الستين، وإن استمر المنحى الايجابي غالباً على النقاشات التي تجري، فذلك يبشّر بالوصول الى إنجاز. وتحدث متابعون لهذا الحوار عن احتمال جدّي لتوسيع حلقته ليشمل الفرقاء الآخرين.
وفيما يبقى الحذر الانتخابي سائداً في كليمنصو، ويقف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط خلف متراس الرفض للنظام النسبي باعتباره سيفاً مُهدِّداً، له بُعد وجودي له ولمَن يمثّل، فإنّ التطمينات المباشرة وغير المباشرة ما زالت تَرد إليه من عين التينة، وبرّي يتفهّم هواجس جنبلاط، ويؤكد انّ التوجّه الأكيد هو نحو قانون عصري وعادل يطمئن الجميع ويبدد الهواجس، وليس الى قانون يفاقم الانقسام ويزيد الهواجس.
والملاحظ في عين التينة، اندفاعة جدية من جانبها للتواصل مع الجميع، وتحديداً مع الحزب التقدمي الاشتراكي، للوصول الى مقاربة مشتركة حول القانون الانتخابي المختلط الذي اقترحه بري (64 نائباً ينتخبون على أساس النظام النسبي و64 نائباً ينتخبون على أساس النظام الأكثري)، مع مراعاة المبدأ الاساس وهو المناصفة. وكذلك حول المشروع القائم على التأهيل (أكثري على مستوى القضاء ونسبي على أساس المحافظة).
وتعكس عين التينة تأكيداً متجدداً من رئيس المجلس على الضرورة الملحّة للوصول الى قانون انتخابي في أسرع وقت ممكن، خصوصاً انّ المهل تُداهمنا، وكذلك التأكيد على انّ الطموح الاساس بالنسبة إليه يبقى الوصول في لحظة معينة الى اعتماد النسبية الشاملة باعتبارها الخيار الأفضل للبنان. الّا انّ بري لا يتمسّك بهذا الطموح الذي إذا ما تعَذّر بلوغه فلا بأس في أن نتدرّج في صعود السلم، وبالتالي المباشرة في تطبيق النسبية جزئياً على جرعات.
وعلى ما يؤكّد بري، يفترض ان يكون قانون الستين قد اصبح من الماضي، وللجميع من دون استثناء مصلحة في الخلاص منه، علماً انّ العودة اليه تعيد لبنان أولاً 67 سنة الى الوراء، وتُرخي تداعيات خطيرة على كل البلد وفي المقدمة على العهد وعلى كل الطبقة السياسية. وهذا يضع الجميع أمام حتمية الالتقاء على الدفع نحو قانون عصري يكون بمثابة إنجاز نوعي لا بل بمثابة أهم هدية نقدّمها الى اللبنانيين.
وهناك فرصة حقيقية للوصول الى هذا القانون، وهذا لا ينفي انّ إنجازه قد يحتاج الى بعض الوقت الاضافي، وهنا الحل موجود بحيث يُصار الى تأجيل تقني محدود جداً للانتخابات لشهر او شهرين او ثلاثة لاستكمال التحضيرات الاجرائية، على ان يتمّ النص على هذا التأجيل وسقفه في متن القانون الجديد، وذلك لكي يكون هذا التأجيل مطّاطاً وفضفاضاً.
نصر الله
وفي هذه الاجواء، أطلّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله أمس، فتحدث عن البيان الوزاري وقانون الانتخاب ومعركة حلب.
واعتبر نصر الله انه «من المفترض ان لا يكون في البيان الوزاري صعوبات وعقد»، وشدّد على انه «لا يجوز ان تعتبر الحكومة نفسها حكومة انتخابات فقط»، و«يجب ان تتحمّل كامل المسؤولية تجاه الشعب اللبناني».
وفي مسألة قانون الانتخاب أعلن تأييده النسبية الكاملة، وفي الوقت نفسه شدّد على وجوب أخذ مخاوف البعض وقلقهم في الاعتبار، داعياً الى حوار شامل مع كل القوى السياسية. وقال: «يعني نريد أن نجمع ما بين الصيغة والقانون الانتخابي الأمثَل والأحسن والأفضل، وفي الوقت نفسه نريد أن نأخذ الهواجس ونقاط القلق ونحاول أن نصل إلى مكان ما، لكن بالتأكيد ليس على قاعدة العودة إلى قانون الستين».
ورفض نصرالله مقولة انّ الحكومة هي حكومة «حزب الله»، ووصفَ الاتهامات بأنّ الحزب يريد السيطرة على البلد بأنها «اتهامات باطلة...»