دائماً نبحث عن اللحظات الأخيرة، كيف كانت؟ ماذا فعل الراحل قبل وداعنا؟ خصوصاً عندما يكون هذا الوداع مفاجئاً، بلا مؤشرات ومن دون انذار، ولا حتى مرض يخفف من هول الصدمة. هي بضعة ايام وتنتهي سنة 2016، والخوف الدائم يكمن في أن تأخذ رياح هذه السنة معها أرواحاً طيّبة، فتكون الخسارة جسيمة.
أمس رحل مدير جوقة رعية مار مارون البوشرية المايسترو إيلي مرهج وهو في العقد الخامس. رحل حافظ أسرار الفنانين الذين يجمعون على حبّه ودقته في العمل. في يومه الأخير، وقبل أن يسلم روحه، كان مرهج يتمتّع بنشاط غير اعتيادي، ولعلّ السبب يعود إلى أجواء الميلاد المحببة على قلبه لا سيّما حماسه الشديد للمشاركة في الريسيتال الميلادي في جبيل والريسيتال الآخر اليوم في القصر الجمهوري.
الموسيقي وصديق الراحل ربيع حسن يعتبر مرهج أباً له، يستشيره فنياً وحياتياً وهو لم يخيّب ظنّه أبداً. ويقول: "مرهج كان متفائلاً بالحياة ومتمسكاً بها، ترافقه روح النكتة ويضحك دائماً". يستعيد ربيع آخر يوم أمضاه مع الراحل خلال تسجيل حلقة خاصة ببرنامج "أراب أيدل": "كان شديد الحماسة في هذا اليوم، الابتسامة لم تفارق وجهه وهو غادر مسرح "أراب أيدل" في تمام الرابعة والنصف متوجهاً إلى جبيل للمشاركة في الأمسية الميلادية وكان ينوي لو لم يخنه قلبه أن يتوجّه بعد ذلك إلى فندق "الحبتور" للمشاركة في حفل الفنان ملحم زين". وفق معرفة ربيع للراحل يؤكّد أنه "لم يعانِ يوماً حزناً وكان قريباً من الكلّ وصديقاً لجميع الفنانين".
اما عازف البيانو الموسيقي ربيع الشدراوي، فهو الأكثر ألماً، ومصدوم وحزين لرحيل صديقه الذي يقضي وقته معه ليل نهار. يسرد كيف أمضى اليوم الأخير مع "حبيب قلبه"، ويقول: "كان ملحّق على كل شغله، كانت تغمره حماسة لا توصف لأنه سيشارك في الأمسية الميلادية التي هي من دون أجر. أراد أن ينجز بسرعة عملاً مدفوعاً في "أراب أيدل" حتى يسرع إلى الكنيسة ويكون أول الحاضرين فيها. وهو عمد في شكل متواصل منذ الصباح الباكر إلى إرسال رسائل عبر تطبيق "الواتساب" إلى أعضاء الجوقة يخبرهم بأن "الليلة سنقدّم أحلى ريسيتال، بدنا نصلّي"، وكان يستعد للمشاركة اليوم في الريسيتال الميلادي في القصر الجمهوري مع الفنان والمايسترو ميشال فاضل".
وأوضح شدراوي الذي رافق الراحل في الريستيال أنّ مرهج دار في منتصف الريسيتال إلى الجوقة، وقال: "زقفوا ليسوع"، لافتاً إلى أنّ مرهج رتّل في الكنيسة للمرة الأولى في حياته، "لقد فاجأنا، رتّل وقال: نتمنى لكم ميلاداً مجيداً، فكانت الترتيلة الأخيرة، وفجأة وبلحظة سقط على المذبح أمام باب القربان المقدّس".
ويتابع: "كانت أزمة قلبية قاضية، وعلى الرغم من أنّه كان من ضمن الحضور مسعفون وممرضات حاولوا إنعاشه غير أنّ الموت كان أسرع من الجميع، حتى إنّ الصليب الأحمر اللبناني حضر بسرعة فائقة ولم يكن في وسعه أن يعيده إلى الحياة".
ويكشف شدراوي بحزن عميق صورة لن تغيب عن باله تتمثّل بقدوم صديق الراحل المقرّب عوض الرومي الذي أصرّ أن يراه حيث كانت تقبع جثته في المستشفى وقبّله على رأسه، قائلاً: "هذا الانسان لن يتكرر"، مضيفاً أنّ "الحزن الأكبر يعتري السيدة ماجدة الرومي التي كانت تعتبره فرداً من عائلتها".