لم تمرّ الرسالة المبطنة التي مررها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت إلى المسؤولين الذين التقاهم مرور الكرام. دعا ايرولت إلى تعزيز الحوار والتلاقي بين لبنان ودول الجوار، ومنها الخليج وإيران. ما هي إلا ساعات، حتى أتي مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والأفريقية حسين جابري أنصاري إلى لبنان، للقاء الرؤساء الثلاثة. وهذه الزيارة الثانية لمسؤول إيراني بعد زيارة الوزير محمد جواد ظريف بعد يومين على انتخاب الرئيس ميشال عون. وبذلك، تكون إيران قد حققت تعادلاً ديبلوماسياً مع السعودية في لبنان، التي أرسلت موفدين هما الوزير ثامر السبهان، والموفد الملكي الأمير تركي الفيصل.
الزيارة الإيرانية، كما الرسالة الفرنسية وغيرها، تأتي تزامناً مع تفاعل الكلام عن البحث عن حلول سياسية لأزمات المنطقة، وخصوصاً في اليمن وسوريا. وبالتالي، وفق مصادر سياسية، فإن للزيارة الإيرانية دلائل على تمسّك طهران بتأكيد وجودها في لبنان، ليس "الميداني" عبر حزب الله فحسب، بل السياسي والديبلوماسي، وإن كان ذلك بصيغة تهدوية، بهدف الانفتاح على حوار مع العالم العربي، وإن لم يكن في هذا التوقيت. وهذا ما تقرنه المصادر بالهدوء الذي يخيم على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على مدى إطلالتين متتاليتين، بالإضافة إلى تسهيل ولادة الحكومة وتسريع إقرار بيانها الوزاري.
ورغم حصة الأسد التي حصل عليها حلفاء إيران في تشكيل الحكومة، وهو ما تعتبره مصادر قوى 8 آذار نتيجة التطورات الإقليمية، إلا أن عدم تصعيد حزب الله لبنانياً في مرحلة ما بعد حلب، يوحي بأن هناك شيئاً ما يحضّر في الكواليس، وخصوصاً بعد الاجتماع الثلاثي بين موسكو وأنقرة وطهران. وبالتالي، فإن الإيجابية التي يتعاطى فيها الحزب في لبنان، تريد إيران الإستثمار فيها إقليمياً، وخصوصاً على صعيد فتح حوار سياسي مع السعودية.
وفق ما يقول ديبلوماسي إيراني، فإن بلاده لا تمانع الحوار مع السعودية. وينطلق في ذلك من موقع الغالب والمنتصر، معتبراً أنه قبل أشهر كان للسعودية كلام فاصل في سوريا ومناطق أخرى. أما اليوم فالأمور تتغير، وكذلك كان الوضع في اليمن قبل سنة. وعند كل جولة مفاوضات السعودية هي التي كانت تعرقلها، بهدف تحقيق مزيد من المكاسب الميدانية. لكن أملها لم يتحقق. بالتالي، فهي بحاجة إلى وقف الخسائر والحد من التراجع. وفي هذا السياق تأتي موافقتها الأخيرة على مقترحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري لحلّ الأزمة اليمنية.
بالنسبة إلى إيران، لا بد من تقديم تنازل في اليمن لمصلحة السعودية، خصوصاً أن المملكة تعتبر اليمن عمقها الإستراتيجي. والحلّ لا بد أن يراعي مصالحها، وهو تسليم السلاح الثقيل لدى الحوثيين إلى جهة محايدة. مقابل دخولهم الحكم وفقاً لتسوية سياسية. أما في لبنان فإن اليد الطولى ستكون لحزب الله وإيران، على أن تكون السعودية شريكاً مقرراً، فيما سوريا ستكون خاضعة لتقاسم النفوذ الإيراني الروسي التركي.
تستند المصادر على قراءتها اللبنانية بما جرى قبيل تشكيل الحكومة، خصوصاً أن ثمة إزدواجية في التعاطي السعودي مع الرئيس سعد الحريري، إذ رغم كثرة الموفدين المهنئين، وإتصال ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالحريري للتهنئة بتشكيل الحكومة، كان القضاء السعودي يبلغ الحريري بدعوى قضائية قبل أيام قليلة من ولادة الحكومة، تلزمه دفع تعويض لأحد المواطنين السعوديين. وهذا ما تعتبره المصادر أحد الضغوط التي ساهمت بالحريري لدفع مزيد من التنازلات بغية تشكيل الحكومة، خصوصاً في ضوء معلومات تتحدث عن أن طرح إسمي سليم جريصاتي ويعقوب الصراف، تم بايحاء من اللواء علي مملوك.
حتى الآن، لا تزال السعودية ترفض الحوار مع إيران، تنتظر رحيل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ومجيء فريق عمل الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وفق مصادر متابعة، لافتة إلى أن الرياض تراهن على ترامب في مواجهة إيران لأنه يفضل التعاون مع روسيا لمواجهتها. هذا الكلام تقرنه المصادر مع الصمت السعودي ازاء التحركات العسكرية والسياسية التي تقودها روسيا في سوريا. وثمة من يعتبر أن السعودية قد تراهن على توسع النفوذ الروسي والتركي في سوريا على حساب النفوذ الإيراني. وحينها، قد تجد فرصة لتعزيز شروطها في مواجهة إيران، وخصوصاً على القاعدة الدائمة بالأمل بسحب النظام السوري ورموزه من الحضن الإيراني إلى الروسي، ليصبح أسهل التواصل والتفاهم معهم.