جملة من الإيجابيات تجمعت فجأة، بالتزامن مع متغيرات دولية وإقليمية بالغة الدلالة، وفي مقدمها ما اعلنته شخصيات رسمية إسرائيلية من ان الولايات المتحدة الأميركية تخلت عن إسرائيل، بعدما امتنعت عن استخدام حق «الفيتو» لإسقاط قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي بوقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، فيما اتهم مسؤول إسرائيلي الرئيس الاميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري بالوقوف خلف «التحرك المشين» ضد إسرائيل في الأمم المتحدة.
(راجع الخبر في مكان اخر)
وجاء هذا التطور، في ظل حرص روسي عبّر عنه الرئيس فلاديمير بوتين، بأن يتقدّم الحل السياسي للحرب في سوريا، وحرص أيضاً على ان تكون العلاقة مع الإدارة الأميركية الجديدة افضل من سابقتها، في ظل تأكيد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على دور حيوي لبلاده في حل أزمات الشرق الأوسط.
وسارع الرئيس سعد الحريري إلى الترحيب بالقرار الأممي، وهو الأوّل من نوعه منذ ثماني سنوات.
وقال مصدر مطلع لـ«اللواء» أن من شأن هذه التطورات أن تفتح الباب امام دور لبناني، بعد نيل الحكومة الثقة، على صعيد المنطقة، في ضوء الجولات التي يزمع كل من الرئيسين ميشال عون والحريري القيام بها إلى دول الخليج، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، والدول الأوروبية الصديقة، وفي مقدمها فرنسا.
وأشار هذا المصدر إلى أن الثلث الثاني من شهر كانون الثاني المقبل سيشهد تحركات لبنانية باتجاه الخارج، لترجمة التحولات الانفراجية في النظرة الدولية والإقليمية والعربية تجاه لبنان، بعد نيل الحكومة الثقة.
مسودة البيان
على وقع بعض الانقشاعات في الغيوم الإقليمية والدولية، وبعدما استبق الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، جلسة مجلس الوزراء اليوم، بالتأكيد على ضرورة التوافق على البيان الوزاري بعيداً عن أي مشاكل، استرعى انتباه المراقبين ما نقلته محطة «المستقبل» التلفزيونية في إطار الإشارة إلى مراحل عمل الحكومة، إلى انه بعد البيان الوزاري وجلسة الثقة، فالانظار تتجه إلى قانون الانتخاب.
ولفتت المحطة إلى موقف السيّد نصر الله الذي جدد فيه موقفه الداعم للنسبية، وإن دعا الى حوار شامل مع كل القوى السياسية، معرباً عن تفهمه لمخاوف وقلق البعض.
على وقع ذلك، سجل بشكل لافت اقلاع صاروخي للحكومة، على صعيد إنجاز البيان الوزاري بسرعة قياسية، إذ عقدت لجنة البيان الوزاري الاجتماع الثاني في السراي الكبير، برئاسة الرئيس الحريري وحضور كامل اعضائها، وهم للتذكير الوزراء: مروان حمادة، محمّد فنيش، علي حسن خليل، نهاد المشنوق، سليم جريصاتي، يوسف فنيانوس وبيار ابي عاصي والامين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل.
وناقشت اللجنة مسودة معدة من الرئيس الحريري تناولت أبرز العناوين التي يمكن أن يتضمنها البيان، ان في شقها الداخلي أو الاقليمي، أو المتعلق بالاراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والشطر اللبناني من قرية الغجر.
وقدّم الوزراء على مدى ثلاث ساعات ونصف الساعة، ملاحظاتهم على المسودة وعناوينها العريضة التي ارتكزت على خطاب القسم وبيان الرئيس الحريري بعد تشكيل الحكومة، والصيغة التي استقرت عليها عملية بت الخلافات، كما عبّر عنها البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام من بندي المقاومة والمحكمة الدولية والتزامات لبنان بالمواثيق والمعاهدات الدولية.
وتضمن البيان فقرة مركزة على ضرورة تطوير الاقتصاد وتفعيل القطاعات المنتجة، والاهتمام بقضايا النّاس المعيشية واحتياجاتهم.
والتقت المناقشات وفقاً لمصادر وزارية على التشديد على أهمية أن تسمى الحكومة «بحكومة استعادة الثقة» لتثمير الأجواء الايجابية، والاستجابة إلى تطلعات المواطنين، سواء في ما خص الشؤون الاقتصادية والمالية والمعيشية من ماء وكهرباء ونفايات.
وبعد الاجتماع، كشف الوزير حمادة، انه بعد إنجاز مسودة البيان، أبلغ الرئيس الحريري الرئيس عون ما جرى واتفقا على عقد جلسة عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم لمجلس الوزراء لإقرار البيان.
وسيطبع من البيان 126 نسخة يوم الأحد ويحال إلى المجلس النيابي رغم انه يوم عطلة بعدما كان الرئيس نبيه برّي أبلغ رئيسي الجمهورية والحكومة انه على استعداد لدعوة المجلس النيابي، لعقد جلسات الثقة أيام الثلاثاء والاربعاء والخميس لمناقشة البيان والتصويت على الثقة، والتي يرجح ان تنالها الحكومة بغالبية كبيرة جداً تتجاوز الـ115 صوتاً.
وأوضحت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان البيان الوزاري مؤلف من 8 صفحات فولسكاب يُركّز على استعادة ثقة الدولة في مختلف القطاعات، مشيرة إلى ان عناوينه العريضة مستوحاة من خطاب القسم، وكلمة الرئيس الحريري في أعقاب تشكيل الحكومة.
ونفت المصادر ان تكون هناك نقاط خلافية قد اثيرت، وأن موضوع حياد لبنان مر من دون أي اشكال وكذلك الأمر بالنسبة إلى بند المحكمة الدولية.
وعلم من المصادر نفسها انه تمت إضافة فقرات ثانوية، وانجز البيان دون اعتراضات، غير ان المعلومات أفادت ان من أراد من الوزراء تسجيل موقف حول نقطة معينة سيكون في جلسة الحكومة اليوم، في إشارة إلى تحفظ وزير «القوات» أبي عاصي على فقرة «الحق بالمقاومة».
وقالت ان النقاشات أظهرت وجود رغبة بالعمل، ملاحظة انها المرة الأولى التي يُنجز فيها البيان بهذه السرعة القياسية، واصفة النقاش «بالعقلاني والهادئ».
من جهته، أبلغ وزير «القوات» بيار أبو عاصي «اللواء» انه تحفظ على أحد جوانب البيان، لم يشأ الكشف عنها، غير انه قال ان هناك جوانب جيدة وردت فيه، رافضاً ذكر أسباب التحفظ، وفهم لاحقاً ان التحفظ ورد حول «دور المقاومة»، مع العلم ان «ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة» لم تطرح في هذا السياق.
كذلك علمت «اللواء» ان البيان لحظ إنشاء هيئة حقوق الإنسان، وفق ما طالب الوزير المعني بحقوق الإنسان ايمن شقير.
وفي المعلومات ان الوزير علي حسن خليل اقترح ان تضاف العبارة المتعلقة بتحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وأن الرئيس الحريري لم ير مانعاً من التعامل معها، وبعد مناقشات حول الفقرة التي يمكن اعتمادها ارتؤي الاستفادة من نصر الفقرة التي وردت في بيان حكومة الرئيس سلام والتي جاء فيها: «استناداً إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، تؤكد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة. مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».
وعلم اعتراض الوزير أبي عاصي في عبارة «الحق في المقاومة للشعب اللبناني، واستمر الجدل الذي أخذ بعض الوقت، الا ان الوزير القواتي تمسك بموقفه، وطالب باستبدال الجملة المقترحة بالجملة التالية: «والحق بالمقاومة للدولة اللبنانية»، وارتؤي بنتيجة النقاش ان يحسم الأمر اليوم في مجلس الوزراء.
ونسب موقع «القوات اللبنانية» الالكتروني الىما وصفه بمعلومات خاصة، ان «نقطة الخلاف الوحيدة تقريباً في البيان هي نقطة خلاف جوهرية»، في إشارة إلى بند المقاومة، وجاء في الموقع «ان جملة الحق بالمقاومة للشعب اللبناني تعني تشريع الفوضي وكأنه لا وجود للدولة، فيما عبارة الحق بالمقاومة للدولة، تشكّل تأكيداً على مرجعية الدولة اللبنانية».
الا ان موقع «الميادين الالكتروني» أكّد ان البيان الوزاري تضمن «حق لبنان بمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة واسترجاع أراضيه المحتلة بكافة الوسائل».
كما تضمن البيان الوزاري فقرة عن «مواجهة الأعمال الإرهابية ضمن خطة استباقية رادعة».
ووفقاً للمعلومات، فإن البيان الوزاري تضمن أيضاً فقرة ذات صلة بالتزامات لبنان العربية والدولية، و«تعزيز الصلات مع الهيئات الشرعية الدولية واحترام قراراتها والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 للمساعدة على بسط السيادة اللبنانية على كامل أراضي البلاد، والتزام مواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية».
ولم يعترض الوزير فنيش على هذه الصيغة، الأمر الذي فسّر بأنه إقرار ضمني باستمرار عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.