لبنان الذي لم يسقط استقراره في مواسم الفراغ التي صارت تقاس بالسنوات، منذ عقد من الزمن حتى الأمس القريب، يبدو أنه على موعد مع إرادة وطنية ـ إقليمية ـ دولية، بتحصين استقراره وصيغته، حتى تكون «اللبننة» بحسناتها وعلاتها «نموذجا» يقتدى به، على مستوى الاقليم، وهي العبارة التي يرددها معظم الموفدين الأجانب إلى لبنان، وآخرهم معاون وزير خارجية إيران للشؤون العربية حسين جابر الأنصاري.
آخر دليل على هذا المنحى، توصل لجنة البيان الوزاري، مساء أمس، إلى مسودة أولى للبيان ستعرض على جلسة هي الثانية للحكومة، تعقد قبل ظهر اليوم في القصر الجمهوري، وتتوج بإنجاز البيان الوزاري وإحالته إلى البرلمان، حيث يفترض أن يوزع فورا على النواب، فيكون موعد انعقاد الهيئة العامة لمناقشة البيان وإعطاء الثقة للحكومة أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس من الأسبوع المقبل، فتكون عيدية رأس السنة للبنانيين، اكتمال عقد مؤسساتهم الدستورية، لتبدأ بعد ذلك الرحلة الأصعب مع القانون الانتخابي والانتخابات النيابية.
وفيما كانت لجنة البيان الوزاري تتوافق على نص عمومي بخصوص القانون الانتخابي، أعلن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله تأييده لاعتماد النسبية الكاملة نظاما انتخابيا، وهو الخيار الذي تبناه قبله رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أن يعدل موقفه مؤخرا لاعتبارات جنبلاطية بقوله إن «الوصول الى النسبية الشاملة متعذر في الوقت الحاضر»، وهو موقف سبقه إليه كل من الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط.
في غضون ذلك، لا أحد يملك الجواب حول الغاية من طرح رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل اقتراحات انتخابية يعرف قبل غيره أن المنابر ليست هي المكان الصالح لطرحها، خصوصا أنها جاءت لتنسف تفاهمات سابقة مع عين التينة، ولذلك، لم يتأخر الجواب من الرئيس نبيه بري الذي قال إن «هذه الاقتراحات لا تساهم إلا في الإبقاء على قانون الستين».
وإذا كانت الصيغة المختلطة (نسبي وأكثري) تُطرح بوصفها الحل في الظروف السياسية الحالية، فيما يتم التداول بقانون الستين كأمر واقع، بدا حديث جبران باسيل، أمس الأول، عن إعادة عدد أعضاء المجلس النيابي إلى 108 نواب، من خارج السياق تماماً، برغم «حرصه» على وضعه في خانة الإصلاح الانتخابي والعودة إلى الطائف، لكن هذا الطرح أعاد نبش أسئلة ومخاوف، متصلة بمعظمها بالتفاهمات العجائبية التي صاغها «التيار الحر» شرقا وغربا، من دون استبعاد الترابط القائم بين رفع هذا الشعار وبين السعي العوني ـ «القواتي» إلى تحقيق بعض المكاسب على هامش «قانون الستين»، كأن يتم نقل بعض المقاعد المسيحية، حيث الصوت المسلم هو المقرر إلى الدوائر ذات الأغلبية المسيحية، وفي الأولوية البترون لضمان مقعد «وزير البلاط».
نصرالله: استقرارنا راسخ
أما الرسالة الأبرز في كلمة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، خلال اللقاء الطلابي الجامعي، أمس، فقد تمثلت في دعوته الى اجراء حوار ‏شامل مع كل القوى السياسية حول قانون الانتخاب الذي يؤيده الحزب والذي يعتمد على النسبية الكاملة، مشيرا الى «اننا نتفهم مخاوف البعض وقلق البعض، ويجب ان ‏يؤخذ هذا بالاعتبار». ودعا نصرالله، في كلمته التي ركزت على الموضوع السوري، الى الجمع ما بين الصيغة والقانون الانتخابي الأمثل والأفضل، مع الأخذ بالهواجس ونقاط القلق «وسنحاول أن نصل إلى مكان ما».
وأبدى نصرالله تفاؤله استنادا الى أجواء النقاشات الطيبة والإيجابية والمنفتحة، وهذا يعني أن لبنان يدخل في مرحلة استقرار سياسي ـ أمني، «وهذه نتيجة طيبة بانتظار الانتخابات المقبلة التي يجب أن نحرص عليها جميعاً».
ودعا الى الإبقاء على الحذر «على المستوى الأمني، لأن الجماعات الإرهابية غاضبة من هزيمتها ومن فشلها، وأيضاً على المستوى السياسي حتى لا يكون هناك أحد ما في البلد ما زال يفكر أنه يعيش على الصراعات والحروب والنزاعات الداخلية».
وإذ أشار الى ان ثمة إيجابية على صعيد تأليف الحكومة كونها «لم تأخذ ‏شهرين او ثلاثة اشهر او ستة اشهر او 11 شهرا»، وأمل أن ينسحب ذلك على البيان الوزاري في ظل «النيات الطيبة والجيدة».
ونفى نصرالله بشدة أن يكون «حزب الله» «يريد السيطرة على البلد»، وأكد ان الحزب كان سيرفض لو قدم له عرض ان يكون رئيس الحكومة وكل الوزراء منه، وقال: أتمنى إذا كان هناك أحد ما في لبنان يفكر بهذه الطريقة وبهذه العقلية أن ينتهي من هذا الموضوع. نحن نريد الشراكة، وشراكة الجميع، نحن كنا نقاتل من أجل تمثيل الجميع في أي حكومة، هذا ليس لأننا نريد أن نسيطر على البلد، لأن هذا البلد خياره وقدره ومصلحته أن يشارك الكل.
وفي الموضوع السوري، ركز نصرالله على موضوع انتصار حلب، وقال إن «الذي جرى هو حرب حقيقية من أقسى الحروب التي شهدتها المنطقة خلال أعوام»، مشيرا الى ان «الهدف من هذه المعركة كان إسقاط حلب والسيطرة عليها».
واكد ان «ما قدمه العالم والدول العربية من دعم ومال وسلاح وذخيرة على المستوى المادي واللوجستي ومن دعم إعلامي وسياسي للحرب على سوريا خلال ستة أعوام يفوق بعشرات المرات، وغير قابل للقياس، بما قدمه العالم العربي من دعم للشعب الفلسطيني خلال أكثر من 60 عاماً».
وأشار الى التضليل الإعلامي الذي رافق معركة حلب، وأعطى أمثلة تلك الصور التي جيء بها من الضاحية الجنوبية وغزة «والأنكى أنه جيء بأطفال اليمن، وكل العالم يعرف أن آلاف الأطفال في اليمن يموتون جوعاً بسبب الحصار السعودي».
وعلى صعيد المشهد الإنساني، قال: اذكروا لي مدينة سيطر عليها «داعش» أو حاصرها أو سيطرت عليها «النصرة» وهذه الجماعات التكفيرية المسلحة ودخلت إليها وسمحت أن يخرج المدنيون منها سالمين، أو سمحت للمقاتلين الذين كانوا يقاتلون فيها أن يخرجوا سالمين، ليس بسلاحهم الفردي، لكن عزّلاً.
ونفى نصرالله حصول أي تغيير ديموغرافي في سوريا «وهذه خان الشيح بقي أهلها فيها، دمشق بقي أهلها فيها، محيط دمشق بقي أهله فيه، حلب أهلها فيها، غرب حلب أهلها كلهم فيها وشرق حلب أهلها سيعودون إليها، وفي أغلب المدن عادت الناس اليها». وأشار الى انه «يوجد استثناء في داريا نتيجة الوضع الامني، لكن الافق بأن الناس ستعود إليها في اي لحظة من اللحظات». وأضاف «نحن نقول لهم بأن أهل الفوعة وكفريا يريدون ان يخرجوا وأهل مضايا يبقون، أهل الزبداني يعودون، لا يريد احد ان يغير ديموغرافيا، لا النظام ولا حلفاء النظام. الذي غيّر الديموغرافية السورية هو الجماعات المسلحة».
وحول توصيف معركة حلب، قال نصرالله انها هزيمة كبرى للمشروع والمحور الآخر، «وببساطة هي انتصار كبير لهذه الجبهة المدافعة والمواجهة للارهاب، وهي تطور كبير وبالغ الاهمية، على المستوى العسكري والسياسي والمعنوي لجبهتنا».
وإذ أشار الى ان هذا لا يعني حسم المعركة، قال نصرالله «إنه بعد ‏حلب، يستطيع المرء أن يقول مطمئنا إن هدف اسقاط النظام سقط.. وهذه احدى الدلالات السياسية الكبرى ‏للانتصار بمعركة حلب».
وشدد على ان انتصار حلب لا يعني أن مشروع تدمير سوريا سقط، ‏وأن المشروع من أجل الحرب على سوريا انتهى. وقال «نعم نحن أمام مرحلة جديدة في الصراع وجبهتنا ‏تتقدم بشكل كبير جدا، بانجازاتها وانتصاراتها، ولكن المسؤولية والمواجهة ما ‏زالتا كبيرتين».
وأشار الى ان «المرحلة المقبلة يجب ان تتركز على تثبيت مدينة حلب، وعلى محيطها ‏وأمنها وأمانها لأنه من المؤكد أن الجماعات المسلحة ستعمل على استهداف المدينة ومحيطها، والرعاة الذين ليس لديهم مشكلة، لن يسلموا ولن يستسلموا ولذلك علينا ان نكون حذرين».
وقال إن «الأولوية يجب ان تكون تثبيت هذا الانجاز، ‏ترسيخ وتمكين هذا الانتصار ليبنى عليه ميدانيا، وأيضا ليبنى عليه سياسياً، من جهة أخرى انتصار حلب يمكن ان يفتح آفاقاً جديدة أمام حلول سياسية، أمام حل سياسي، أمام معالجات سياسية».
وأشار الى ان انتصار حلب وفشل المحور الآخر يمكن أن يدفعا ببعض الدول ‏لأن تصبح واقعية وان تنظر الى الامور بمنظار مختلف.
وكانت لافتة للنظر دعوة نصرالله الحكومة التركية «إلى موقف حاسم من داعش، سواء في الرقة أو في الموصل أو في شمال العراق، وإلى الخروج من الازدواجية، أن تقاتل تركيا داعش في مدينة الباب وتدعمها في الموصل، فهذا ليس لمصلحة تركيا».