لا يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في وضع يحسد عليه فسياساته المتقلبة والمرتبكة والفاشلة تجاه الأزمة السورية جعلت بلاده عرضة لأعمال إرهابية تخللتها تفجيرات في أماكن متفرقة على الأراضي التركية، وعمليات إغتيال كان آخرها إغتيال سفير روسيا في تركيا أندريه كارلوف مساء الاثنين الماضي في العاصمة أنقرة، حيث قام الشرطي التركي مولود ميرت التينتاس والبالغ من العمر إثنان وعشرين عاما بقتله بأربع رصاصات خلال إفتتاح معرض صور في هجوم التقطته شاشات الكاميرات.
وتناقلت وسائل الإعلام المرئية الصور المأساوية للسفير وهو يسقط أرضا على ظهره، فيما يرفع المهاجم مسدسه أمام الحاضرين الذين أصيبوا بالذهول والهلع واختبأوا خلف طاولات الحفل.
وردد المسلح آيات التكبير ثم طالب بمحاسبة كل المسؤولين عما يحصل في سوريا وفي حلب، ثم قامت الشرطة بقتله بعد تبادل لأطلاق النار استمر أكثر من خمسة عشرة دقيقة.
وعلى الفور علق رئيس بلدية أنقرة على جريمة الاغتيال مرجحا ارتباط المهاجم بجماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة الأميركية والذي حملته السلطات التركية مسؤولية محاولة الانقلاب في الخامس عشر من شهر تموز الماضي.
إقرأ أيضًا: حلفاء النظام يتقاسمون سوريا
وأشارت الصحف التركية الموالية للحكومة إلى أن أنقرة تعتبر جماعة فتح الله غولن تقف وراء الهجوم وأنها مسؤولة عن عملية الاغتيال، حتى أن اردوغان نفسه وجه أصابع الإتهام مباشرة إلى هذه الجماعة.
إلا أن محاولة الرئيس التركي وكعادته في الرد على هذه الصفعة لبلاده بتشتيت الأنظار عن سياساته الفاشلة تجاه سوريا وتوجيهها باتجاه سيناريو المؤامرة الدولية التي تتربص بتركيا التي يحركها فتح الله غولن حينا والولايات المتحدة الأميركية حينا آخر لم تستطع أن تقلل من حالة الاستنزاف التي تتعرض لها تركيا والتراجع على صعيد رصيدها الاقتصادي ومكانتها على المستوى الإقليمي والدولي.
فالرئيس التركي ومع كل تقلب جديد يسير فيه تجاه الوضع السوري يواجه مأزقا جديدا يعرض فيه بلاده لدفع المزيد من الأثمان في علاقاتها الخارجية.
فعندما سار في خيار الشراكة مع الثورة السورية محاولا فرض أجندته الإسلامية عليها بعد أن شرع أبواب بلاده للمتشددين الذين قدموا إليها من أربع رياح الأرض وحولوا سوريا إلى أرض للجهاد، فإنه عرض تركيا لأخطار كبيرة سرعان ما انفجرت بوجهه اعتداءات وهجمات انتحارية كبدت أنقرة خسائر بشرية ومادية كبيرة.
إقرأ أيضًا: لبنان بين فكَّي إسرائيل وسوريا
وعندما عدل خياره السوري واقتصر على مجرد محاربة المنظمات الكردية لمنعهم من إقامة كيان كردي مستقل على حدود تركيا بعد أن دخل مع روسيا في صفقة سهل لها عملية تدمير حلب وتهجير من كان فيها من المعارضة السورية ومن سكانها المدنيين وتحريرها من أهلها وتسليمها للنظام السوري انفجر الوضع أيضا في وجهه مجددا تمت ترجمته باغتيال السفير الروسي في تركيا.
الشعب التركي المصدوم بالهجمات الإرهابية المتلاحقة التي تضرب المدن والبلدات التركية لم يخفف من غلوائه وغضبه مسارعة الرئيس اردوغان إلى تحميل حركة فتح الله غولن مسؤولية جريمة الاغتيال وتبعات كل ما تتعرض بلاده من أعمال إرهابية.
وفي سياق متصل فإن روسيا رغم أن إغتيال سفيرها يشكل الضربة الاقسى لها منذ بدء تدخلها العسكري المباشر في سوريا. فإن الكرملين سارع إلى اعتبار هذه الجريمة هي محاولة للإيقاع بين موسكو وانقرة. سيما وأن المكاسب التي حققتها روسيا من الانفتاح الروسي التركي كبيرة جدا وتتجاوز حدود المجازفة بالرد السلبي على اغتيال ديبلوماسي مخضرم.
ففيما اقتصرت العملية العسكرية التركية /درع الفرات / على إنجازات محدودة حققتها تركيا بمباركة روسية. فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تمكن وبتواطوء تركي من تسليم حلب إلى النظام السوري في ضربة هي الأقوى لخصومه في سوريا.