إذا كان مسار الأمور السورية ما قبل حلب، انتج انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، فإن ما بعد حلب، سيأتي بقانون انتخابي يلائم محور الممانعة. يصرّ حزب الله على إقرار قانون انتخابي على أساس النسبية الكاملة، ولبنان دائرة واحدة، أو دوائر موسعة. يعتبر الطرف المعارض للقانون النسبي، وخصوصاً تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي، أن في هذا الطرح رجوعاً عن الإتفاق على بحث قانون مختلط، تشكّلت لجنة نيابية مصغرة وعملت على مدى أشهر عديدة للبحث فيه وإقراره.
الإشارة الأولى التي يمكن التقاطها هي أن الطرف الذي يحقق مكاسب ميدانية في سوريا، يريد استثمارها بالنقاط في لبنان، بدءاً من نتيجة الانتخابات الرئاسية، وصولاً إلى آلية تشكيل الحكومة، والآن قانون الانتخاب.
لأسباب عديدة يلتقي حزب الله، حركة أمل، التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، على اعتماد القانون النسبي، بخلاف الحريري وجنبلاط. وإذا كانت الأسباب عددية وضيقة بالنسبة إلى القوات والتيار، فإنها بالنسبة إلى حزب الله والنظام السوري أبعد من ذلك، وأبعد من مجرّد تحجيم كتلة الحريري.
ثمة من يعتبر أن الخيارات السياسية التي اتخذها الحريري، ستؤدي إلى تقليص حجم تمثيله بسبب عدم الرضى الشارع السني عنها. هذا إذا ما أُجريت الانتخابات وفق قانون الستين. أما في حال أُجريت على أساس القانون النسبي، فإن هناك "زعامات" سنية معارضة للحريري، وموالية لـ8 آذار ستعود إلى الندوة البرلمانية. في بيروت قد يفوز رئيس حزب الوفاق الوطني فؤاد مخزومي، أو أي مرشح آخر غيره يكون مدعوماً من حزب الله. وفي صيدا، يصبح الفوز حليفاً للأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد، وكذلك في البقاع الغربي بالنسبة إلى النائب عبد الرحيم مراد. وفي طرابلس وعكار أيضاً بالنسبة إلى الوزير فيصل كرامي وآخرين.
صحيح أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكد في خطابه الأخير، أن الحزب سيكون متضرراً من النسبية، لكن وفق الأرقام والإحصاءات، فإن خسارة الحزب وأمل، قد تكون بنسبة ضئيلة جداً، لا تتخطى العشرة في المئة. ويكون الحزب قادراً على تعويضها من مناطق أخرى وإن من غير المذهب الشيعي. أما خسارة الحريري، فستتخطى نسبته الخمسة والثلاثين في المئة. وحينها، لن يصبح بمقدوره الإدعاء بحصرية التمثيل السني، وفق رأي حزب الله.
أما بالنسبة إلى القوات، فهناك اعتقاد بضرورة توسيع حجم الكتلة النيابية. وهذا غير ممكن وفقاً لقانون الستين، لأن الحريري لن يتنازل عن نوابه المسيحيين، وبهدف تجنّب الإصطدام بين الحليفين، تفضل القوات القانون النسبي وتعول على تحالفها مع التيار الوطني الحر لاحتكار المقاعد المسيحية. لكن لا شك في أن هناك العديد من الخروقات ستحصل، ونتائج الانتخابات البلدية كانت خير دليل على ذلك.
لا بحث جدّياً لإقرار قانون للانتخابات في هذه المرحلة، وبعد الجولة التي أجراها وفد تكتل التغيير والإصلاح على الكتل السياسية للمطالبة بإقرار قانون جديد، لا تزال هناك ثلاثة احتمالات لإنجاز هذا الاستحقاق: العودة إلى قانون الستين، عودة البحث في القانون المختلط إنطلاقاً من المقترح المقدم من القوات والمستقبل والاشتراكي، أو تقدم القوات والتيار باقتراح قانون جديد يجري العمل عليه منذ فترة بينهما ولم تعرف ماهيته بعد.
في مقابل هذه الاحتمالات، هناك من يستبعد امكانية اجراء الانتخابات في موعدها، بسبب رفض اجرائها على الستين. بالتالي، فقد يحصل تأجيل تقني لها، من أيار إلى أيلول، لأخذ الوقت اللازم لصوغ قانون جديد. وهذه الجبهة التي تشكلت مؤخراً وتطرح النسبية بقوة، من المفترض أن تتشكل جبهة أخرى مواجهة لها، عمودها الفقري سيكون الحريري وجنبلاط، اللذان توافقا على ضرورة مواجهة حرب الإلغاء التي يتعرضان لها من خلال الطروحات الانتخابية.
هذه الطروحات التي يعتبرها الطرفان، بأنها تمثّل أرنباً جديداً لوضع الحكم والعهد برمته تحت ضغوط ابتزازية جديدة. بالتالي، فإن ما يجري هو الاستمرار في اخضاع المنظومة بكاملها إلى الوصايتين الإيرانية والسورية. ويعتبر النائب عاطف مجدلاني، في حديث مع "المدن"، أن التراجع عن القانون المختلط بعد الموافقة عليه، لا يُشجّع على امكانية التوصّل إلى قانون انتخابي سريعاً. فيما يعتبر النائب محمد الحجار، أن إقرار قانون انتخابات على أساس النسبية المطلقة، ينسف الانتخابات. ويكشف أن أصحاب هذا الطرح يتذرعون بشعار النسبية، لتعطيل اجراء انتخابات.