قال معهد واشنطن للدراسات، في تقرير له، إن تغيير إيران لقائد قوات الباسيج (قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين ذكور وإناث) يظهر حرص طهران الواضح على تعزيز الدور الداخلي المحلي القمعي الذي تضطلع به قوات "الباسيج"، ولاستخدام الحرب السورية كميدان فعلي للتدقيق في الجيل القادم من قادة «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» وتدريبه.
وذكر المعهد أن قوات الباسيج اضطلعت بدورها الرئيسي المتمثّل بزيادة عدد أفراد "الحرس الثوري الإسلامي"، من خلال توفير مجموعة من المتطوعين على المدى القصير، ما جعل أعضاءها يشتهرون بسرعة، إما بكونهم من المخلصين الساعين إلى الشهادة، أو هدفا للمدافع يفتقرون إلى التدريب.
وبين أنه لم يتمّ دمج "الباسيج" بالكامل في هيكلية "دفاع الفسيفساء" الأمنية للمحافظات الخاصة بـ«الحرس الثوري الإسلامي»، حتى أواخر عام 2009، بعدما ملأ متظاهرو "الحركة الخضراء" الشوارع احتجاجا على الانتخابات الرئاسية، حيث اكتسبت إطارا مهنيا خاصا بها في غضون ذلك.
وقال المعهد إن الجنرال غلام حسين غيب برور، القائد الجديد للقوات، يؤمن أن حماية "الثورة الإسلامية" يجب أن تستمر في إعطاء "الأولوية إلى السلام والرفاهية والتقدّم". كما حذّر من الأصوات المحلية "الأنانية"، لا سيما رئيس "مجلس تشخيص مصلحة النظام"، أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي دعا مؤخرا إلى اعتماد مقاربة تصالحية في الشؤون الإيرانية الدولية.
وأشار المعهد إلى احتمال توسيع دور «الحرس الثوري الإسلامي» وقوات "الباسيج" في رسم ملامح مستقبل السياسات المحلية الإيرانية. وتدلّ كافة المؤشرات على أن بصمة إيران في المنطقة تتنامى أيضا.
الدور الخارجي
وذكر المعهد أن قوات الباسيج تهدف إلى إنشاء "حضارة إسلامية جديدة" (على غرار مفهوم الجهاد السنّي القائم على إعادة الخلافة، ولكن مع تركيز أقل على الأراضي). غير أن طهران لم تباشر تطبيق نموذج "الباسيج" في الخارج على نطاق واسع سوى منذ فترة ليست ببعيدة نسبيا، بدءا من العراق وسوريا.
فعلى سبيل المثال، تشمل «وحدات الحشد الشعبي» العاملة حاليا في العراق عددا من المليشيات شكّلتها «قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي»؛ بغرض القتال إلى جانب حلفاء إيران في سوريا (أي جيش بشار الأسد، و«حزب الله»، وألوية أفغانية وباكستانية متعددة).
سوريا
وقال المعهد إن القادة والضباط العسكريين في إيران يميلون إلى اعتبار سوريا العنصر الأجنبي الأكثر أهمية للعمق الاستراتيجي لبلادهم، بل أهم حتى من لبنان أو العراق أو اليمن؛ ولهذا السبب أنشأ الجنرال همداني "قوات الدفاع الوطني" السورية، وهي الكتائب غير النظامية الموالية للأسد، التي زُعم أنها أنقذت دمشق من السقوط في أيدي المتمردين في صيف عام 2012.
وبين أنه في ظل توسيع «الحرس الثوري الإسلامي» أنشطته في سوريا، فهو يعزّز في الوقت نفسه دور "الباسيج" في البلاد، ربما من أجل دعم عناصر الفيلق المرهقة أو تلبية الطلب المتزايد من الشباب الإيرانيين المتدينين الذين يتوقون للانضمام إلى القتال.
وأوضح أن «الحرس الثوري الإسلامي» يدير حاليا مهمتين منفصلتين في سوريا: الأولى برنامج للمشورة والمساعدة تديره «قوة القدس» ويضمّ أفرادا محترفين من «الحرس الثوري الإسلامي» وبعض عناصر الجيش المحلي ("ارتش") بتعاون وثيق مع «حزب الله»، أما الثانية، فتشمل وحدات قتالية صغيرة تحت إشراف مشترك من قبل مقر "الإمام الحسين" التابع لقوات "الباسيج" و«قوة القدس».
وأفاد بأنه منذ العام الماضي، نشطت قوات "الباسيج" على نحو أكبر في تجنيد متطوعين إيرانيين من الشباب للقتال في سوريا في إطار مبادرة "المدافعون عن الحرم"، التي تدّعي أنها ممولة عموما من مساهمات خاصة. وبعد تنظيمهم ضمن ما يسمى "كتائب الفاتحين"، يخضع هؤلاء المتطوعون لتدريب قبل وضعهم على لائحة انتظار لإرسالهم إلى سوريا على متن طائرات عسكرية أو رحلات تجارية. ولدى وصولهم إلى سوريا، يعملون إلى جانب "لواء الفاطميون" الأفغاني و"لواء الزينبيون" الباكستاني، المنضويين تحت سلطة «قوة القدس».
ووفقا لقائد "كتائب الفاتحين" مهدي هداوند، تكبّد هؤلاء المتطوعون الخسائر الأكبر في الأرواح في خان طومان في 6 أيار/ مايو 2016، حين تعرضت وحداتهم لكمين وخسروا اثني عشر رجلا.
يشار إلى أن ساحات القتال في سوريا تمنح القوات العسكرية وشبه العسكرية الإيرانية فرصة لتحسين مهاراتها القتالية والتنظيمية في ظل ظروف صعبة على نحو استثنائي.
كما أن تدخّل هذه القوات هناك، بحسب المعهد، يساعد طهران على تأجيج نيران الحماسة الثورية في أوساط الشباب المتديّنين في الوطن. وتحت حكم غيب برور، ستواصل قوات "الباسيج" من دون شك استخدام عمليات الانتشار من هذا القبيل كوسيلة لتحديد الجيل القادم من قادة «الحرس الثوري الإسلامي» وتدريبه، وترويج المفهوم الإيراني للقوات الشعبية شبه العسكرية في أرجاء العالم الإسلامي، فضلا عن توسيع جبهة "المقاومة" التي يمكن أن تصبّ أنظارها على دول أخرى في المنطقة.
وختم بالقول: "في ظل استمرار الحرب السورية، لا يقتصر الدور الذي تلعبه إيران على إرسال قوات النخبة في مهام استشارية وداعمة فحسب، بل تُرسل أفرادا من "الباسيج"، أقلّ تدريبا، لكن أكثر تحفيزا، لتنفيذ مهمات قتالية غير محدودة.
ونظرا إلى أن المعركة الرئيسية ستنتقل على ما يبدو من حلب (إلى محافظة إدلب على الأرجح)، يمكن توقُّع ازدياد عدد الشباب الإيرانيين في صفوف "الباسيج"، الذين يقاتلون في سوريا خلال الأشهر المقبلة، وكذلك ارتفاع عدد الضحايا في صفوفهم".