على مسافة يومين من احتفال المسيحيين في لبنان والعالم بعِيد الميلاد المجيد، وفيما يُنتظر أن يشهد الصرح البطريركي هذا الأحد في بكركي خلوةً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، على هامش مشاركة الرئيس في قدّاس العيد، بَرز تأكيد فرنسي وأممي أنّ لبنان على المسار الصحيح وأنّ صفحةً جديدة فتِحت فيه، وتَرافقَ ذلك مع تشديدٍ على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية المقبلة.
مع اكتمال هيكلية المؤسسات الدستورية، وسعيِ العهد إلى تجديد الثقة الدولية والإقليمية بلبنان وبدوره الريادي وإزالة الشوائب التي اعترَت العلاقات اللبنانية مع دول الخليج، وفي الوقت الذي تمضي الحكومة الجديدة قدماً لنَيل ثقة مجلس النواب على اساس بيانها الوزاري، ويؤكّد رئيسها سعد الحريري بأنّ أولويتها الآن هي إعادة الثقة بالبلد والنهوض بالاقتصاد اللبناني، مبدياً الاستعداد لتقديم كلّ الحوافز والتسهيلات ومحاربة الفساد بشتّى الوسائل لتشجيع المستثمرين على العودة»، يَتزايد الاهتمام الخارجي بلبنان، وبَرز في هذا الإطار الاتصال الهاتفي الذي أجراه مساء أمس ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، برئيس الحكومة، واعتُبر مؤشّراً كبيراً على دعم المملكة العربية السعودية للبنان رئيساً وحكومةً وشعباً، في وقتٍ يستعدّ رئيس الجمهورية لزيارة السعودية قريباً، على حدّ ما أعلنَ وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت. وعلمت «الجمهورية» أنّ هذه الزيارة ستتمّ في النصف الاول من الشهر المقبل.

وقد هنّأ ولي ولي العهد السعودي الحريري بتشكيل الحكومة، وتمنّى له «النجاح والتوفيق في مهمّاته، لِما فيه مصلحة وخير لبنان وشعبه». وأكّد «وقوف المملكة إلى جانب لبنان وحِرصها على تقوية وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين». وقد تمّ خلال الاتصال «التداول في آخِر المستجدات اللبنانية والعربية».

دعم فرنسي

وفي رسالةِ دعمٍ دولية جديدة للبنان، نَقل وزير الخارجية الفرنسي إلى عون تهاني الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بانتخابه ودعوةً إلى زيارة باريس، وإلى الحريري تهنئتَه بتشكيل الحكومة وتشجيع بلاده له.

وإذ اعتبَر إيرولت انّ لدى رئيس الحكومة «مهمّة صعبة»، قال: «لكن مع حكومته التي تحضّر بيانَها الوزاري، والتي عليها أن تعدّلَ قانون الانتخابات النيابية وتحضّر لإجراء الانتخابات، فإنّ عليها أيضاً أن تعمل ما في وسعها لضمان تطوّرِ لبنان وأمنِه، ولا سيّما في ظلّ استقرار الوضع السياسي».

وأكد وزير الخارجية الفرنسي الذي زار بعبدا وعين التينة والسراي الحكومي وقصر بسترس أنّ بلاده ستعمل كلَّ ما في وسعها «لكي يَبقى لبنان خارج النزاع السوري وهي إلى جانبه في محاربته للإرهاب». وأعلنَ «استمرار تقديمِ المساعدات للبنان، خصوصاً إلى الجيش والقوى الأمنية، وكذلك تقديم الدعم اللازم للمساعدة في تأمين رعاية النازحين».

ونَقل إيرولت إلى المسؤولين اللبنانيين رغبةَ فرنسا في أن تستمرّ بلعبِ دورٍ مسهّل للحوار في المنطقة. آملاً أن يتمكّن لبنان من مواصلة حواره مع الدول المجاورة، ولا سيّما منها المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وكذلك مع إيران.

وحول الهبة السعودية للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، أوضَح إيرولت أنه علم أنّ عون سيزور السعودية قريباً، وقال: «هذا أمرٌ نرحّب به، وأنا أيضاً سأزور المملكة في كانون الثاني المقبل، حيث سأتطرّق إلى كلّ هذه المسائل. وإنّ الجوّ ملائم حتى لو كانت بعض الأمطار اليوم، ولكنّ الشمس تشرق مجدداً على لبنان، وهذا مؤشّر إيجابي ويدعو إلى التفاؤل».

وفي معلومات «الجمهورية» أنّ إيرولت كان واضحاً أمام مَن التقاهم شارحاً مسعاه لاستعادةِ هبة المليارات الثلاثة السعودية من الأسلحة الفرنسية المتطوّرة التي بوشِر بتصنيعها في مصانع بلاده، وأنّ توجيهات هولاند صريحة وجازمة للقيام بكلّ المساعي التي تؤدي إلى هذه الخطوة.

وقد أبلغ إيرولت المسؤولين اللبنانيين أنه سيكون قريباً في الرياض لهذه الغاية. كذلك أبلغ إليهم أنه سيزور طهران بعد الرياض، «إذ إنّ ملفات المنطقة تفرض تشاوراً فرنسياً مع هذه القوى الإقليمية، وإنّ الاتّصالات جارية لبَتّ الترتيبات النهائية لهذه الجولة التي سيعلن عنها في وقتٍ قريب».

الأمم المتّحدة

من جهتها، قالت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ بعد زيارتها الحريري، أنه مع انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، «هناك صفحة جديدة فُتحت في لبنان، وبالتالي يمكننا أن نتطلع بثقة نحو مستقبله واستغلال كلّ الإمكانيات المتاحة أمامه، وعلى الحكومة أن تعمل ما في وسعها لتحقيق مصلحة المواطنين واستقرارهم وأمنهم».

وأعلنَت السعي للعمل عن كثب مع الحريري والحكومة لتعزيز استقرار لبنان وأمنِه، وأكّدت «أنّ الأمم المتحدة تتطلّع لإجراء الانتخابات النيابية في السنة المقبلة».

برّي والأمن

في غضون ذلك، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ الوضع بصورة عامة جيّد، وعلينا أن نستفيد من الوقت لإنتاجية حكوميّة ومجلسية، وفي المقدمة الموازنة وقانون الانتخاب.

وحول الوضعِ الأمني المستجد في مخيّم عين الحلوة، أسفَ بري لِما يحصل، متخوّفاً من أن يكون هناك افتعال للاقتتال في المخيّم.

وردّاً على سؤال آخر، قال بري: «إنّ الوضع الأمني في لبنان جيّد». و شدّد على «حماية الاستقرار الداخلي أولاً وأخيراً، وهذا يوجب أن يُعطى الهاجس الأمني الاولوية في أيّ زمان، الآن وضعُنا جيّد، وإن شاء الله إلى الأحسن».

واستبعد أن ترخيَ المستجدّات في حلب تأثيرات على لبنان، لكن لم يخفِ خوفَه، «ليس من قدوم المسلّحين إليه، بل ممّن يؤويهم ويسعى لاستقبالهم إنْ حاوَلوا المجيء، لذا علينا أن نستفيد من التجارب ونؤكّد وحدتَنا وصلابة موقفِنا نحو حماية بلدنا، لقد أصِبنا بما أصِبنا به حينما كنّا متفرّقين، ولكنّ وحدتَنا أثبتَت نفسَها وقوَّتها وفاعليتَها أمام إسرائيل التي يُقال إنها الأقوى، لكنّها كانت عاجزة أمام وحدتنا ومقاومتنا».

البيان الوزاري

وفيما تمضي اللجنة الوزارية قدُماً في إعداد البيان الوزاري للحكومة استعداداً للمثول أمام مجلس النواب لنَيل الثقة على أساسه، وزعت الأمانة العامة لمجلس الوزراء في وقت متأخر من ليل أمس مسودة البيان الوزاري على الوزراء عبر البريد الالكتروني مرفقة بدعوة لعقد الاجتماع الثاني الساعة الخامسة عصر اليوم في السراي الحكومي لمناقشته.

وعلمت «الجمهورية» أنّ بري اتّصَل ليل الأربعاء بالحريري، وجرى حوار طويل بينهما حول موضوع البيان الوزاري وجلسة الثقة.

وبدا مِن جوّ الاتصال أنّ بري يستعجل عقدَ جلسة الثقة، وقال للحريري: «أنا جاهز للجلسة»، وحضَّه على إقرار البيان الوزاري قبل غدٍ السبت، على اعتبار أنه إذا أحيلَ إلى مجلس النواب

بـ 126 نسخة قبل الثانية عشرة ظهر السبت، ففي الإمكان الشروع في توزيعه على النواب، على أن تُعقد جلسة الثقة لثلاثة أيام بدءاً مِن الثلثاء 27 الجاري وتستمرّ الأربعاء والخميس نهاراً ومساءً.

وقال بري «إنّ الجوّ مشجّع في موضوع إقرار البيان الوزاري، فلا تعقيدات ولا أمور يمكن أن تؤخّره، لكن حتى الآن لم أتبلغ شيئاً من الحريري حول الجلسة».

بو عاصي

ورفضَ عضو اللجنة الوزارية وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي الدخولَ في تكهّنات حول موعد انتهاء مهمّة اللجنة، وقال لـ«الجمهورية»: «كلّما كانت الإيجابية تَحكم مسار نقاش النقاط الرئيسية الثلاث: النزاع مع إسرائيل، المعركة ضد الإرهاب والنزاعات الخارجية، وتتمّ مقاربتها انطلاقاً من روحيّة خطاب القسم ـ وإن أمكن نصّ الخطاب، نعتقد أنّ كلّ شيء سيَسير بسهولة».

وأكّد «أنّ النَفَس الإيجابي واكبَ الاجتماع الاوّل للجنة، وطرِحت فيه كلّ المواضيع والأفكار، وساد نقاش ديموقراطي، وأدلى كلّ طرفٍ بدلوه بعيداً مِن أيّ حِديّة».

وشدّد على أنّ اعتماد خطاب القسَم في النقاط الثلاث «هو أفضل حلّ لتفادي أيّ جدل بيزنطي، فهدفُنا هو إعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها، وإطلاق عمل الحكومة والوزارات»

الجميّل

وفي المواقف، دعا النائب نديم الجميّل إلى إعطاء رئيس الجمهورية «فترةَ سماح، لأن لا يمكننا أن نحكم على العهد وهو في بداية انطلاقته».
وأكّد الجميّل لـ«الجمهورية» أنّ «الحكومة ولِدت نتيجة نجاح «حزب الله» في فرضِ شروطه على الجميع، فهذه حكومة تحجيمات، وهنا لا أقصد حزبَ الكتائب فقط، بل كلّ القوى السياسية»، لافتاً الى «أنّ «حزب الله» حاولَ تحجيم حصّة رئيس الجمهورية أوّلاً عبر فرضِ أسماء من «8 آذار» وزراء وديعة في حصّته، وكذلك حجّم رئيس الحكومة عبر وزراء يشكّلون استفزازاً له وللمحكمة الدولية مِثل توَلّي سليم جريصاتي وزارةَ العدل، وأكملَ سلسلة تحجيمه للقوى السياسية، فوضَع «فيتو» على تولّي «القوات اللبنانية» حقيبةً سيادية، من ثمّ حاوَل تقليص حصّتها، وبعد ذلك حاول زعزعةَ تحالفِ «القوّات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» وتحجيمه من خلال تقوية تيار «المردة» وإعطائه حقيبةً أساسية ليتمكّن رئيسه النائب سليمان فرنجية من مجابهتهما، وكذلك حاول تحجيمَ كلّ قوى «14 آذار» عبر فرضِ لائحة وزراء من «8 آذار» ذات طابع استفزازي».

وأملَ الجميّل في أن «لا يوصلَ توزيرُ بعض الوزراء من «8 آذار» الحكومة إلى ما أوصلت إليه تصرّفاتهم في الحكومات السابقة»، متمنّياً على عون أن «يمارس السلطة ويَحكمَ وفق منطِق الدولة والقانون، ولا يخضع للتهويل أو الابتزاز ومنطق العرقلة، وأن لا يعود إلى مصطلحات وممارسات فترةِ حكمِه في نهاية الثمانينات، لأنّ هناك مرحلة جديدة عنوانها الدولة فقط لا غير».

نصرالله

إلى ذلك، تترقّب الأوساط ما سيُعلنه الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله من مواقف، في كلمةٍ تُذاع في الثانية بعد ظهر اليوم خلال لقاءٍ طلّابي، يتناول فيها آخرَ المستجدّات الداخلية المتعلقة بمرحلة ما بعد تأليف الحكومة، وكذلك التطورات الإقليمية بعد استعادة النظام السوري لحلب.