حسناً تفعل لجنة الإدارة والعدل بإعادة صياغة المواد التي تتعلق بالإغتصاب والخطف ومجامعة القاصر وكلّ المواد ذات الصلة في قانون العقوبات، بدءاً من المادة 503 وصولاً إلى المادة 521، بعدما أجمع اعضاء اللجنة على إلغاء المادة 522 التي تعفي المعتدي من العقاب في حال تزوج ضحيته.
فهذه المواد مضى على وضعها 68 عاماً، وتتواطأ في بعض أحكامها مع مجتمع ذكوري، تجد فيه المعتدى عليها نفسها ملزمة بالقبول بالمعتدي زوجاً لها خوفاً من العار والفضيحة، وداخل إطار هذا الزواج الذي يصنف بالصحيح في حال أعطت الضحية موافقتها، يُعفى المغتصب من العقاب، بصرف النظر عن الأسباب القاهرة التي أملت هذه الموافقة .
لكن إلغاء هذه المادة التي حملت الرقم 522، والتي أتى منسجماً مع مطلب منظمة "أبعاد" من خلال الحملة التي نفذتها بعنوان "الأبيض ما بيغطي الإغتصاب"، هو بداية جيدة ولو أنّ المادة لا تعتبر لاغية فعلياً إلّا بعد انتظام العمل التشريعي والتصويت على إلغائها وإقرار صيغ جديدة في الهيئة العامة، ولكن هذا الإنجاز على أهميته ليس نهاية المطاف ، فهناك مواد أخرى متعلقة بسلسلة جرائم مشابهة لا تقل أهمية، تأخذ لجنة الإدارة وقتها لإعادة صياغة كلّ منها على حدة، وتستعين برأي أهل الإختصاص في نقابة المحامين ووزارة العدل لإعادة صياغة هذه المواد .
النقاش وصل إلى الفقرة الثانية من المادة 505 عقوبات التي تتناول الجماع دون عنف او اكراه او خداع، مع قاصر تفوق الخامسة عشرة من العمر، وتشعبت الآراء داخل اللجنة حيث ذهب رأي الى القول بضرورة الابقاء على وقف الملاحقة وتعليق تنفيذ العقوبة ، إذا عقد زواج صحيح طالما أنّه لم تتم ممارسة عمل الإغتصاب او الإكراه او الخداع، وفريقا الجماع ارتضيا بالزواج. بينما ذهب رأي آخر إلى الإبقاء على العقوبة، ولو عقد زواج صحيح بين فريقي الجماع، حيث أن القاصر لم تبلغ الثامنة عشرة من العمر .
وجاءت الحادثة التي نشرها "لبنان 24 " بقلم الزميلة سمر يموت بعنوان "غرام "الواتساب " يوقع "غنوجة البيت" في حضن "أربعيني"، لتؤكد على وجوب الإبقاء على العقوبة ولو بموافقة القاصر . ففي هذه الحادثة، التي وصل صداها إلى حيث اجتماع لجنة الإدارة، هربت القاصر التي لم تبلغ الخامسة عشرة من منزل ذويها مع السوري "أ.ع" وهو في العقد الرابع من العمر ، وأقاما علاقة جنسية برضاها، فاستناداً إلى هذه الحادثة التي رددتها منظمة "أبعاد" على مسامع النواب أعضاء اللجنة ، هل يجوز أن يُعفى الشاب الأربعيني من العقاب بحجة أنّه لم يقم علاقة مع القاصر بفعل الإكراه؟ ماذا عن الوعود التي اصطاد من خلالها ضحيته؟ إلا تندرج ضمن فعل الإغواء والترغيب والترهيب الذي يعاقب عليه القانون؟ وماذا عن مستقبلها المهدد بالضياع تحت تأثير لحظة طيش في عمر المراهقة؟ ومن يضمن ألا تكون هذه الفتاة، أو غيرها في حالات مشابهة، وقعت في فخ، ستجبر بعده على الزج بها في الدعارة من قبل زوجها، الذي خطط للإيقاع بها وصولاً إلى هذا الهدف؟ لاسيّما وأن هذه الحالات تضاعفت في الآونة الأخيرة .
والد الفتاة أسقط الدعوى وحقوقه الشخصيّة عن المدعى عليه، وفي ذلك أكثر من علامة استفهام غير مبررة، فطالما أنّ القانون يحمي القاصر في مثل هذه الحالات، لماذا يسقط أب حقّه ؟ قد يكون السبب أعتراف ابنته بأنّ الخطف ومن ثمّ الجماع حصلا برضاها، ورغم ذلك تقع على الأهل مسؤولية كبيرة بألّا يكونوا شركاء في حياكة مصير غامض لإبنتهم، حتّى ولو بإرادتها، على الأقل القيام بحمايتها من نفسها وطيشها حتى تصبح في سن الثامنة عشرة. وبالتالي عودة الأب عن قراره وتمسّكه بإقامة الدعوة، سيفرض على ابنته التريث في قرارها، وتكون محمية بموجب قانون الإحداث كونها قاصر .
وهذا الأمر يطرح بدوره قضية زواج القاصر، وسط مطالبة جمعيات حقوقية بإيجاد إطار قانوني رادع لهذا الزواج . فحماية الفتاة القاصر من نفسها أولاً، مسؤولية متعددة الجوانب، لا تقع فقط على عاتق النصوص القانونية، بل تشمل المجتمع ككل، بدءاً من الأسرة وصولاً إلى المدرسة ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام . وفي هذا السياق تشير إحدى الناشطات في جمعيات المجتمع المدني إلى لجوء عشرات الزوجات إلى هذه الجمعيات هرباً من بطش أزواج، ارتبطن بهم في سن المراهقة خلافاً لرأي الأهل .