قبل نحو عام، تم توقيف صديقين يتعاطيان المخدرات. اعترف الأول بإدمانه فيما صرّح الثاني بأنه يشارك صديقه بالتعاطي للمرة الأولى. عند توجيه التهم أتت المفاجأة بتحويل الأول (المدمن)، إلى لجنة العلاج، والادعاء على الثاني وفق المادة 127 من قانون المخدرات التي تنص، في أحد بنودها، على معاقبة مستهلك المخدر غير المدمن بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وتغريمه من مليون إلى مليونين ونصف المليون ليرة لبنانية.
في المقابل، ووفق المقاربة الحقوقية التي تمكن المجتمع المدني من إدخالها على قانون المخدرات الصادر في عام 1998، تُمنع العقوبة عن مدمن المخدرات الذي يذعن للعلاج انطلاقاً من تكريس معاملته كمريض.
يؤكد المحامي كريم نمور أن التعديلات التي انكبّت المفكرة القانونية على وضعها مع جمعية "سكون" للعلاج البديل من الإدمان والوقاية من المخدرات، تنطلق بالدرجة الأولى من الثغرات التي تعتري قانون المخدرات بعد 18 عاماً على إقراره في مجلس النواب، وعلى رأسها المواد المتعلقة بمدمني ومتعاطي المخدرات والعقوبات المفروضة.
اقتراح تعديل القانون الرقم 673/98 (قانون المخدرات) مطروح للنقاش على طاولة لجنة حقوق الإنسان النيابية بحضور خبراء وممثلين عن المجتمع المدني. البحث لا يطال التعديلات فقط، وفق رئيس اللجنة النائب ميشال موسى، بل "هناك أمور كثيرة تستدعي البحث وعلى رأسها تفشي آفة المخدرات بشكل كبير في المجتمع اللبناني وتهديدها الفئة العمرية الشابة من طلاب مدارس وجامعات".
وأهم ما يستدعي تعديل قانون المخدرات الذي اعتبر لدى إقراره قبل 18 سنة من اليوم "إنجازاً" وتحديداً في اعتباره المدمن مريضاً يحتاج للعلاج لا للعقاب، افتقاره للآليات التطبيقية الفاعلة.
من أبرز الآليات التي كانت غائبة، لجنة الإدمان التي تسمح بعلاج المدمنين وعدم معاقبتهم والتي بقيت "لغاية العام 2013 بلا تفعيل" وفق المحامي كريم نمور. وحتى بعد تفعيل اللجنة إثر حملة للمجتمع المدني وعلى رأسه "المفكرة القانونية" و "سكون"، "لم يتغير الكثير" وفق نمور "إذ لم ترتفع نسبة المحالين على العلاج من المدمنين عن 2% ". هذه النسبة لم تأت من العدم "لقد تأكدنا منها عبر دراسة الإحصاءات الرسمية لمكتب مكافحة المخدرات والتي تشير إلى توقيف نحو ثلاثة آلاف مدمن سنوياً، ولا يحال سوى 2% منهم للعلاج".
مجلس وطني لم يبصر النور
من جهته، يتوقف النائب ميشال موسى عند أهمية المجلس الوطني للمخدرات الذي نصّ القانون على تشكيله ومهمته وضع استراتيجيات المكافحة وآليات تنفيذها. يتألف المجلس المذكور من الوزراء المتخصصين (داخلية، صحة، زراعة، شؤون اجتماعية وعدل) ويتمتع بصلاحيات واسعة و "لكنه لم يجتمع مرة واحدة" وفق موسى.
يؤكد موسى وجوب أن يكون من ضمن أولويات الحكومة الجديدة بعد أن تنال ثقة مجلس النواب تفعيل عمل المجلس الوطني للمخدرات، وهو كان طالب الحكومة السابقة برئاسة تمام سلام بالأمر نفسه. أثارت اللجنة أيضاً، وفق موسى، مسألة مراكز علاج المدمنين. ويضيف أن الجمعيات العاملة على علاج المدمنين أشارت إلى أن القدرة الاستيعابية في لبنان لا تتجاوز 10% من علاج المدمنين، وذلك بسبب "غياب مراكز العلاج الرسمية من جهة، وارتفاع كلفة العلاج من جهة ثانية".
قانون سريع "غب الطلب"
يعيد البعض الثغرات في قانون المخدرات إلى كونه وضع في عام 1998 بشكل سريع استجابة لضغوط دولية وخصوصا من مكتب مكافحة المخدرات والجريمة في الأمم المتحدة ومن الولايات المتحدة الأميركية على قاعدة تأمين آليات مكافحة تبييض الأموال وبسبب أمور تتعلق بالسرّية المصرفية.
وتأتي التعديلات الحالية لرفع السقف الحقوقي للتعاطي مع مدمني المخدرات انطلاقا من كونهم مرضى بحاجة للعلاج، ومن ضرورة تأمين مبدأ تناسب العقوبة مع الجرم حيث لا يفرّق القانون الحالي بين مستهلك للمخدر قد يضطر للترويج مدفوعا بمرضه لتأمين حاجته من المخدرات وبين مروج صغير وبين تاجر كبير قد يكون رئيساً لعصابة مخدرات أو زعيماً لمافيا، حيث تساوي العقوبة بين هؤلاء جميعا بالحكم بالمؤبد المخفف إلى خمس سنوات، وفق المعطيات.
هذا النقاش يأتي على هامش التوجه العالمي حيث تنحو بعض الدول وعلى رأسها البرتغال وسويسرا والأورغواي إلى تشريع المخدرات كسبيل أنجع لمكافحتها.
تراعي التعديلات المطروحة اليوم، وفق المحامي نمور، وبالإضافة للاعتبارات العملية المتعلقة بتفعيل لجنة الإدمان والعلاج، "البعد الفكري، إذ لم يكن معقولا ومنطقيا وجود ممثل في لجنة الإدمان عن مكتب مكافحة المخدرات وهو يمثل السلطة العقابية التي تلاحق المدمن". وعليه تلغي التعديلات المقترحة عضوية المكتب المذكور في لجنة الإدمان.
ويتوقف نمور عند تعديلات مهمة تتعلق بالعقوبة "لأن القانون الحالي كارثة لا يميز بين مروّج ومسهّل وتاجر وصاحب مافيا او عصابة"، إذ يكفي أن يقدم أحدهم سيجارة حشيشة مثلاً لصديقه ليعاقب وكأنه رئيس عصابة إتجار بالمخدرات". ووفق المنطق القانوني يعتبر هذا التوجه مخالفة دستورية، ويتناقض مع مبدأ تناسب العقوبة مع الفعل الجرمي، وهو مبدأ عام في صياغة القوانين الجزائية تم غض النظر عنه نهائياً في قانون المخدرات.
يضاف إليها منح مدمن المخدرات فرصة لينجو من العقاب إذا أذعن للعلاج (برغم خلل تحويل المدمنين للعلاج والافتقار للآليات الفعالة لتأمينه)، بينما لا يمكن للمستهلك غير المدمن النفاذ من العقاب حتى لو كان يتعاطى المخدر للمرة الأولى.
يقول نمور إنه وبرغم اطلاع مقترحي التعديلات على بعض التوجهات العالمية لتشريع المخدرات "لم يطالبوا بوقف تجريم المخدرات في التعديلات الحالية، بل حاولنا ان نعطي النيابة العامة صلاحيات لمنح المدمن إجراءات بديلة عن العقاب ومنها التأنيب مثلاً، وعدم وقف عدم التعقب في حال تكرار المدمن الذي أذعن للعلاج، لكونه من الطبيعي أن يتعرض المدمن المريض لانتكاسة خلال محاولته العلاج من الإدمان وعلى طريقه".
أيضاً حيث لا يظهر الحكم على البيان رقم واحد الذي يحصل عليه معظم الأشخاص عادة، بل على البيان رقم 2 الخاص بمسائل تتعلق بالدولة بشكل عام.
الكوكايين الأغلى سعراً
يعتبر الكوكايين الأغلى بين أنواع المخدرات المنتشرة في لبنان حيث يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد ما بين 35 إلى 60 ألف دولار، وفق نسبة نقائه، بينما يباغ الغرام الواحد بـ 40 إلى 80 دولاراً، لدى ترويجه بين المستهلكين. وتلي الهيرويين مادة الكوكايين ولكن بفارق كبير حيث يراوح سعر الكيلوغرام ما بين ثمانية آلاف إلى 15 ألف دولار، وفي حال ترويجه بالغرام يباع بعشرة إلى عشرين دولاراً، وفقا لنقائه أيضاً.
أما حشيشة القنب والتي تعتبر "الهقة"، وهي نحو 1100 غرام وحدة وزن حشيشة الكيف (أي أكثر من كيلوغرام بمئة غرام) فقد شهدت مؤخرا وعلى خلفية عدم تلف المزروعات هبوطاً حاداً بسعرها من نحو 1300 إلى 300 و500 دولار وفق نوعيتها التي تراوح ما بين "الزهرة" (الباب الأول) ومن ثم الثانية والثالثة والرابعة. ولدى ترويجها بالغرام تباع الحشيشة بدولار واحد إلى خمسة دولارات.
في المقابل، تباع حبة الكبتاغون بسبعة دولارات وتباع كل ألف حبة بسبعة آلاف دولار.