في كل مرة يطرح فيها النظام النسبي على أساس لبنان دائرة واحدة بصفته النظام الأنسب لضمان صحة التمثيل، تعود بعض القوى السياسية إلى عادتها القديمة بلعن كل ما لا يتناسب ومصالحها. بدأ النائب وليد جنبلاط وتيار المستقبل هجومهما المضاد على النسبية، وأسقطا، بالضربة القاضية، اقتراح القانون الذي يؤمّن صحة التمثيل في حدها الأقصى، أي جعل لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية. فقد علمت «الأخبار» أن هذا الاقتراح لم يعد متداولاً بين القوى السياسية المعنية بمفاوضات التوصل إلى قانون جديد للانتخابات، نتيجة رفض تيار المستقبل والقوات اللبنانية وجنبلاط بحث هذا الاقتراح. وبناءً على ذلك، انتقل البحث إلى اقتراحين: المختلط، والنسبية في 15 دائرة. ورغم أن الاقتراح الأخير كان قد حظي بموافقة وزراء اللقاء الديموقراطي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، إلا أن جنبلاط عاد وتنصّل منه عندما استقبل وفداً من تكتل التغيير والإصلاح الأسبوع الماضي. وفي «المختلط»، تتركّز المفاوضات على اقتراح الرئيس نبيه بري، وإمكان إدخال تعديلات عليه، تجعله عملياً يعيد إنتاج مجلس النواب الحالي ذاته.

وكان لافتاً أمس رد كل من رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب والنائب السابق فيصل الداوود على اعتراض جنبلاط على النسبية. إذ ذكّر وهاب رئيس «الاشتراكي» بأن أول من طرح النسبية كان والده الراحل كمال جنبلاط الذي «كان يدرك أن دور الدروز يجب أن يكون وطنياً وقومياً ليأخذوا الحجم الذي يناسب تاريخهم وتطلعاتهم، وليس دوراً متقوقعاً». وسأل وهاب: «هل إذا أتى جزء من التمثيل الدرزي من خارج الحزب التقدمي الاشتراكي يعني أن الدروز سيخسرون؟». كذلك حذر وهاب الحلفاء من أي محاولة للخضوع للابتزاز، «لأن موقفنا سيكون قاسياً وغير متوقع، فنحن وكل ممثلي المعارضة الدرزية لسنا فرق عملة عند أحد». ورفض رئيس التوحيد البيان الصادر عن أحد شيخي العقل الشيخ نعيم حسن والمجلس المذهبي الدرزي «الذي يمثل فريقاً واحداً». من جهته، شدد الداوود على أن «في الطائفة الدرزية رأياً آخر، وقوى سياسية وازنة لها حجمها الشعبي من الحزب الديموقراطي اللبناني إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وحركة النضال اللبناني العربي وحزب التوحيد العربي والنائب فادي الأعور والحزب الشيوعي وحزب البعث وهيئات في المجتمع المدني وغيرهم». وهؤلاء «يطالبون بقانون انتخاب يحفظ حق التمثيل باعتماد النسبية كنظام، وأن يكون سن الاقتراع 18 سنة، وتعطى المرأة حق الترشح ولو من خلال كوتا محددة في المرحلة الأولى». ورأى أن المجلس المذهبي الدرزي الرافض للنسبية بات اسمه «المجلس المذهبي السياسي الجنبلاطي»، وأعاد انقسام الدروز بين شيخي عقل.

 


على المقلب الآخر، شنت قوى 14 آذار هجوماً ممنهجاً على «النسبية»، بدأت بتصريح تلفزيوني لوزير الاتصالات جمال الجراح في تيار المستقبل أوضح فيه بما لا لبس فيه أنه «لا إمكانية لتطبيق النسبية الكاملة في لبنان في ظل مناطق مقفلة ومهيمن عليها بقوة السلاح». وأكد «التمسك بالقانون الذي قدمه تيار المستقبل مع الحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية الذي يؤمن حسن التمثيل ويحافظ على الوحدة الوطنية». (القانون المختلط ينتخب بموجبه 68 نائباً وفقاً للنظام الأكثري و60 نائباً وفقاً للنظام النسبي واعتمد معايير استنسابية فأبقيت بعض الأقضية على الأكثري، خصوصاً تلك التي يبلغ عدد نوابها اثنين، لحماية تمثيل الأحزاب الثلاثة فيها، فيما وضعت أخرى على النسبية حيث تمثيل مقترحي القانون ضعيف). من جانبه، لاقى الوزير السابق في الحزب الاشتراكي غازي العريضي الجراح في منتصف الطريق لينقضّ على النسبية تحت حجة أنه في زمن كمال جنبلاط كان المشروع «وطنياً والنضال وطنياً والصراع وطنياً مبنياً على برنامج سياسي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وكانت حركتنا السياسية والتحالفات السياسية المبنية على برامج سياسية وطنية». لكن في الزمن الحالي، بعيني العريضي، بات المشروع نفسه قائماً «على قاعدة الطائفية. فهذا لا علاقة له بالنسبية لأنه لا يؤدي إلى إصلاح سياسي وإلى صحة تمثيل حقيقية في النظام السياسي اللبناني».