أنزَلت السماء خيرَها على لبنان، وبشّرَت بموسم مطريّ لعلّه يروي عطشَ الأرض، خلافاً لكلّ توقّعات منجّمي الأرصاد الجوّية التي أنذرَت بانتساب لبنان إلى مصاف الدول الجافة والمتصحّرة. وها هو الخير المتدفّق من السماء يُكذّب كلّ المنجّمين. وإذا كان الطقس المناخي قد فاض بخيره مطراً وثلوجاً، فإنّ مراصد كلّ اللبنانيين باتت موجّهة بكلّ طاقتها نحو الطقس السياسي بعد اكتمال الصورة الرئاسية والحكومية، لعلّه يفيض على البلد خيراتٍ تروي الجفاف السياسي الذي يضرب لبنان منذ سنوات. ويبقى التعويل على الحكومة التي اكتمل عقدُها، وخطت بالأمس أولى خطواتها على طريق تنفيذ مهمّتها الموكلة إليها والتي يؤمل ألّا تكون شاقّة ومستعصية.
أولُ الغيث الحكومي، هو البيان الوزاري، الذي دخلَ مرحلة الصوغ، ولا يبدو أنّ طريق الوصول إليه مزروعة بالعقَد والألغام والهواجس، على ما عكسَت أجواء لجنة الصوغ، فالجميع متّفقون على إخراجه في فترة قياسية قد لا تتعدّى عيد الميلاد، وتوليده بصورة مختصرة وعاكسة لخطاب القسَم، وخالية ممّا قد يثير حفيظةَ هذا الطرف أو ذاك، ومتضمّنة التزاماً صريحاً وواضحاً بالسعي إلى إعداد قانون انتخابي جديد على أنقاض قانون الستّين يكون للنسبية حضورٌ فيه، بما يعزّز احتمال عقدِ جلسة الثقة في مجلس النواب قبل نهاية العام الجاري، بحيث تفتح السنة الجديدة على ورشة عمل حثيثة في اتجاه ترجمة البيان الوزاري.

وإذا كانت الصورة التذكارية التي التقِطت للحكومة في القصر الجمهوري في بعبدا بمشاركة الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، جامعة من حيث الشكل لكلّ التناقضات السياسية، فإنّ العلامة المبشّرة، تظهّرَت في الجلسة الاولى للحكومة التي انعقَدت في القصر الجمهوري في بعبدا، وانطلقَت بأجواء انفتاح وارتياح، وعكسَت مناقشاتها توجّهاً عاماً نحو الإنتاجية والاستفادة من الوقت الى الحد الأقصى، خصوصاً وأنّ عمر الحكومة قصير ويتطلب إنجازات نوعية وسريعة، لا سيّما في ما يتصل بالقانون الانتخابي، ويبقى الأساس تعزيز الاستقرار السياسي والأمني، مع التأكيد على تغليبِ المصلحة العليا على أيّ مصالح خاصة وضيّقة.

واقتصرَت الجلسة على كلمتين لكلّ مِن عون و الحريري. فأكّد عون أنّ مِن مهامّ حكومة الوفاق الوطني إجراء انتخابات نيابية وصوغ قانون انتخابي والمحافظة على الاستقرار الأمني، وإعطاء الأفضلية في كلّ وزارة لِما ينتظره المواطنون منها، إضافةً إلى ضرورة الإسراع في إقرار مشروع الموازنة وبتِّ التعيينات الملحّة في الشواغر. وحدّد عون موعداً لعقدِ الجلسات في القصر الجمهوري كلّ يوم أربعاء من الساعة الحادية عشرة حتى الثانية بعد الظهر.

وصايا عون للوزراء

وعبّرَ رئيس الجمهورية عن ارتياحه إلى مجريات أولِ جلسة لمجلس الوزراء، معتبراً أنها عكسَت التوازنات القائمة في البلاد، مُتوسّماً الجدّية في العمل الحكومي.

ونَقلت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» سلسلةَ الوصايا التي توجَّه بها الرئيس عون في توجيهاته إلى الوزراء، ولخّصتها بالآتي:

- لا يجب أن تتجاوز جلسات مجلس الوزراء ثلاث ساعات أياً كانت الظروف.

- الجلسات للعمل وللنقاش وليست للجدل السياسي، لكي تكون الجلسة منتجة بالحدّ الأقصى.

- التحضير للمشاريع بالسرعة القصوى من دون التسرّع وإنْ لم تتمكّن هذه الحكومة من تنفيذها، فالحكومة التي تليها تتولّى هذه المهمّة.

- المداولات في جلسات مجلس الوزراء سرّية.

وأمّا الحريري فقد أكّد خلال الجلسة على التعاون في سبيل أفضل إنتاجية، وعلى عمل حكومي يراعي مصالحَ الناس وإعادةَ إطلاق عجَلة الاقتصاد. كذلك أثنى من ناحية ثانية على أداء الأجهزة الأمنية، داعياً كلّ الأجهزة الى رفع مستوى الجهوزية وأن تكون على أهبة الاستعداد للمحافظة على الأمن في كلّ لبنان، ولا سيّما في الأماكن السياحية وخلال فترة الأعياد.

حمادة

ووصف وزير التربية مروان حمادة انطلاقةَ الحكومة بالرصينة، وقال لـ«الجمهورية»: «بدأنا نشعر بعودة المؤسّسات».

أرسلان لـ«الجمهورية»

وقال الوزير طلال أرسلان لـ«الجمهورية»: «لا يجوز العودة إلى قانون الستّين، ولا يجب أن نتفهّم أيّ أعذار تتطلّب هذه العودة، فلا استقرار في البلد إلّا بتمثيل الجميع داخل المجلس النيابي، ومن دون نسبية لا يستقيم هذا التمثيل.

وأشار أرسلان إلى أنّ البيان الوزاري «سيتضمّن الثوابت التي نؤمن بها، ونحن ننتظر نتيجة عمل اللجنة التي لنا ملءُ الثقة بها، وفي ضوئها يُبنى على الشيء مقتضاه».

لجنة البيان

وكان مجلس الوزراء قد كلّفَ لجنة وزارية مهمةَ صوغِ البيان الوزاري للحكومة، وهي برئاسة الحريري وعضوية الوزراء: مروان حماده، محمد فنيش، علي حسن خليل، سليم جريصاتي، نهاد المشنوق، بيار بوعاصي، ويوسف فينيانوس.

إجتماع ثلاثي

وعلمت «الجمهورية» أنه جرى الاتفاق داخل الاجتماع الثلاثي الذي عقِد في قصر بعبدا قبَيل الجلسة بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري على الإسراع في إنجاز عمل اللجنة الوزارية وعدمِ تضمين البيان الوزاري أيّ إشارة إلى الملفّات الخلافية أو أيّ عبارات استفزازية لأيّ من مكوّنات الحكومة انطلاقاً من خطاب القسَم.

وفي أجواء تعكس نيّة الإسراع بإنجاز البيان الوزاري، وبعدما أرسى الاجتماع الثلاثي أجواءً من التفاهم والإيجابية، عقَدت اللجنة الوزارية التي كلّفها مجلس الوزراء صباحاً صوغَ البيان الوزاري، اجتماعَها الأول عصراً في السراي الحكومي برئاسة الحريري.

وناقشَت البيان الوزاري بصيغته الأولى، واستمرّ الاجتماع حوالى ساعة. وتتألف مسوّدة البيان الوزاري من 4 صفحات وُزّعت لمناقشتها، وأخذ الحريري ملاحظات حولها واستردّها للتعديل وإعادة صوغها لتوزيعها من جديد.

وكان وزير «القوات اللبنانية» بيار أبو عاصي قد طلب الأخذَ حرفياً بخطاب القسَم، لكنّ وزراء حركة «أمل» و«حزب الله» رفضوا هذا الأمر وأصرّوا على صوغٍ جديد يرتكز على روحيّة خطاب القسَم لكن يوائم بنود وعناوين البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام.

وقد أخذ الحريري بهذه الملاحظات ووعَد بإعداد مسوّدة أوّلية للبيان الوزاري ترسَل إلى اعضاء اللجنة اليوم، على ان يتحدّد في ضوئها الموعد المقبل لاجتماع اللجنة والمرجّح ان يكون غداً الجمعة.

جنبلاط

وفي سياق متصل بالبيان الوزاري، سأل رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط «ماذا سيحمل البيان؟ وذلك بعدما نشَر عبر حسابه على «تويتر» رسماً لرضيع في مهدِه وتمتدّ أيدٍ كثيرة حوله تحاول إطعامَه.

المشنوق لـ«الجمهورية»

وسُئل وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد انتهاء اجتماع اللجنة عن إمكانية العودة إلى ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»؟ فأجاب: «الأمر غير وارد مطلقاً. البيان سيكون مستوحى من خطاب القسَم والبيان الوزاري الأخير اللذين سيحدّدان كلّ النقاط الأساسية التي سيقوم عليها البيان الوزاري، وبالتالي هناك شبه اتّفاق على كلّ البنود السياسية الرئيسية، ولا خلافات.

وعن أزمة السير كشف المشنوق لـ«الجمهورية»: «أنّ الإجراءات التي اتّخِذت من خلال وضعِ 1200 عسكري على الطرقات لتنظيمِ السير لم تستطع ان تخفّض سوى 10 بالمئة من الأزمة، لدينا اجتماع الغد (اليوم) وسنرى ما يمكن ان يتّخذ من إجراءات إضافية ... المشكلة معقّدة ولا تحَلّ إلّا بسلسلة قوانين ومشاريع جديدة».

وكان المشنوق قد أكد أنه «إذا جرت الانتخابات على اساس قانون انتخابي جديد، فحتماً نحتاج الى تمديد تقني تتحدّد مدّته بحسب طبيعته».

فنيش

وقال وزير الشباب والرياضة محمد فنيش لـ«الجمهورية»:» إنّ البيان الوزاري «سيرتكز على خطاب القسَم لكنّه يحتاج الى صوغ مع الأخذ بالبيان السابق لحكومة سلام». واعتبَر فنيش أنّ «الحكومة انطلقت بروحية التعاون وإيجابية ونيّة عند الجميع بتسيير العمل، ونأمل خير».

لجنة الخبراء

واللافت للانتباه أنّ انطلاقة الحكومة، وإنْ كانت ما تزال في بدايتها، بدت من خلال التوجّهات التي عبّرت عنها مكوّنات الحكومة، مشجّعةً للاعتقاد بإمكان تحقيق اختراق في الحائط الانتخابي، الذي فرضَ نفسَه بنداً أساساً على طاولة مجلس الوزراء أمس، وكذلك من خلال الترجمة الفورية لهذا التوجه، والذي جرى التعبير عنه في اجتماع لخبراء في المجال الانتخابي بين ممثّلين عن «حزب الله» وتيار «المستقبل» وحركة «أمل» للبحث في الصيغ الانتخابية، وخصوصاً تلك التي يمكن أن تُبنى حولها مساحات مشتركة.

وأشارت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» إلى أنّ رئيس المجلس يواكب عن كثب عملَ اللجنة التي يؤمل أن تتوسّع اكثر لتشمل سائر الفرقاء، وصولاً إلى الغاية المنشودة بالوصول إلى قانون انتخابي جديد.

والملاحَظ في هذا السياق أنّ منطق اعتماد النسبية في القانون الانتخابي الجديد بات غالباً على ما عداه، أمّا حجم هذه النسبية، كلّية أو جزئية، فهو أمرٌ يحدّده الأفرقاء في متنِ القانون. كذلك الأمر بالنسبة إلى الوقت المتاح من الآن حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، فالتوجّه العام نحو تأخير تقنيّ لهذا الموعد ينصّ عليه القانون الجديد بما لا يزيد عن 90 يوماً على أبعد تقدير.

إلى ذلك، أملَ بري مجدّداً أمس أن تنجز الحكومة بيانَها الوزاري قبل نهاية العام، مؤكداً الاستعداد لعقدِ جلسة الثقة فور وروده إلى المجلس.
وأكد بري في «لقاء الأربعاء النيابي» على أنّ الأولوية أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً هي لإنجاز قانون الانتخابات الجديد في أسرع وقت ممكن، مشدّداً على أهمّية الوصول إلى صيغة تعتمد على النسبية بديلاً عن قانون الستّين «الذي خبرنا جميعاً سيئاته».

العريضي

وقال الوزير السابق غازي العريضي: «نحن عندما رفعَ شركاء شعارَ وعنوان وقضية صحّةِ التمثيل كنّا معهم ووقَفنا إلى جانبهم في انتخاب الرئيس وفي طرحِ القضية الأساس، ولذلك لا يمكن أن نقبل بأن نصل إلى مرحلة نشهد فيها فصلاً من فصول التهويل بقانون الانتخابات لفصلِ مكوّن سياسي أساسي في البلد عن مركز القرار السياسي». وأضاف: «لن يتمّ ابتزازُنا في هذه المرحلة بأيّ قانون، ونحن شركاء أساسيون في البلد، مع معيار واحد يأخذ بعين الاعتبار كلَّ الخصوصيات».

آيرولت في بيروت

وكان لافتاً في موازاة انطلاقة الحكومة، الحضور الفرنسي المتجدّد، عبر زيارة وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرولت الى بيروت امس، حيث يلتقي في التاسعة صباح اليوم رئيس الجمهورية، ناقلاً إليه رسالةَ تهنئة من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ودعوةً رسمية لزيارة باريس.

وعلمت «الجمهورية» أن آيرولت سيعرض مع المسؤولين اللبنانيين الذين سيلتقيهم مختلفَ التطوّرات في لبنان والمنطقة، ولا سيّما ما يتصل بالأزمة السورية وقضية النازحين السوريين في لبنان. كما سيتناول اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس.

وسيجدّد آيرولت دعمَ بلادِه للبنان رئيساً وحكومةً وشعباً، كذلك سيتناول مسألة إعادة إحياء الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني والدعوة إلى إجراء محادثات ثلاثية فرنسية ـ لبنانية ـ سعودية لهذه الغاية.