كَمن مجهولون مقنّعون صباح أمس عند مثلّث سوق الخضار في الشارع الفوقاني لسامر حميد الملقّب «سامر نجمة»، وهو أحد الناشطين الإسلاميّين وكان ينتمي إلى «فتح الاسلام» قبل أن ينضمّ أخيراً إلى «عصبة الأنصار الإسلامية»، وأطلقوا النار عليه فقتل فوراً، كما أصيب الفلسطيني محمود عبد الكريم صالح لكنّه توفّيَ متأثراً بجراحه.
واحتجاجاً، شهد المخيم إطلاق نار كثيفاً في الهواء وقذائف صاروخية، ما أدّى إلى قتل الفلسطيني محمود ابراهيم أبو اليمن وهو يقفل محله لبيع
المفروشات في البركسات، وجرح كلّ من الفلسطينيّة عليا حوراني التي نقلت الى مستشفى الراعي، الفلسطيني السوري محمد كرباج المنتمي إلى حركة «فتح»، والفلسطينيّين عمر جمال حمد وعمر جمال شريدي اللذين ينتميان الى تيارات أصولية، ونقلا الى مستشفى النداء الاسلامي.
هذا التطور أعاد فتح باب التوتر على مصراعيه، خصوصاً أنّ المخيم يعيش ليله على وَقع تبادل القنابل، فتموضَع كلّ طرف في مربّعه الأمني في ظلّ غياب قوة تستطيع الإمساك بأمن المخيم نتيجة التعدّد الأمني والعسكري على أرضه.
وانعكس التوتر الأمني خوفاً بين الأهالي وأقفلت مدارس «الأونروا» ومؤسّساتها والمحال التجارية، فيما خلَت الشوارع من المارّة، وسُجّلت حركة نزوح جزئيّة ولا سيما في الشارع الفوقاني، خصوصاً أنّ إطلاق النار كان يتجدّد بين الحين والآخر، حيث أوقع مساء جريحين هما الفلسطيني خليل صياح وشخص آخر.
وعلى الأثر، تكثّفت الاتصالات الفلسطينية من أجل التوصّل الى وقف إطلاق النار وسَحب المسلحين وضبط الوضع. وقد أكّد الناطق الرسمي باسم «عصبة الأنصار الإسلامية» الشيخ أبو شريف عقل أنّ حميد ينتمي الى العصبة، موضحاً أنّ «عملية الاغتيال لم تتَّضح بعد، ومن المؤكد أنّ لجنة تحقيق ستَتشكّل».
وشدّد على «أننا سنُحاول قدر الإمكان ألّا نُسبّب أيّ أذى لأهلنا في المخيم، لكنّ الذي نفَّذ العملية لا بد أن ينال عقابه، وهناك لجنة تحقيق، والفاعل سيعاقب».
اللجنة الأمنية الفلسطينية
وتزامَن الاغتيال مع اجتماع عقَدته اللّجنة الأمنية الفلسطينية العليا برئاسة قائد الأمن الوطني اللواء صبحي ابو عرب، وبَحثت في تداعيات الجريمة إضافة إلى الحادث الأمني الذي وقع في مخيم المية ومية وأدّى الى مقتل الاخوين نبيل ومعين عبد الرحمن.
وقد دانت اللجنة جريمة الإغتيال، ووضعتها «في إطار مشروع الفتنة الذي يستهدف أمن المخيم واستقراره، وكذلك الوحدة الوطنية والاسلامية التي شكّلت وما زالت الضمانة للحفاظ على المخيم واستقراره وعلى العلاقة الأخوية مع الجوار اللبناني الشقيق»، مؤكدة «حرصها على متابعة هذه القضية بمسؤولية عالية، للكشف عن المجرمين القتلة وتسليمهم الى الجهات اللبنانية المختصة للقصاص منهم».
وعن حادثة مخيم المية ومية، أكّدت أنه «بناء للتحقيقات التي أجرتها لجنة التحقيق المكلّفة من قيادة القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة، فإنّ الإشكالية التي حصلت فردية واستدعَت تدخّل القوة الأمنية، ما أدى إلى مقتل الأخوين، وليس للأخوة في «أنصار الله» علاقة مباشرة بهذه القضية».
ودعَت القوى الوطنية والإسلامية إلى «التنبّه واليقظة من مغبّة الوقوع في شرك الفتنة التي تستهدف شعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية، خصوصاً قضية اللاجئين»، كما دعت إلى «ضبط النفس والتهدئة في مخيم عين الحلوة، إفساحاً في المجال أمام الهيئات الأمنية المعنية لمتابعة هذه القضية».
وفي السياق، أعلن أبو عرب تشكيل لجنة تحقيق برئاسة العقيد ابو توفيق لكشف الجناة والاقتصاص منهم، وعلمت «الجمهورية» أنّ الاجتماع تطرّق الى عودة حركة «أنصار الله» الى المخيم ومن يقف وراء إلقاء القنابل اليدوية على مكاتبها فضلاً عن قضية الجدار الاسمنتي والتصوّر الذي رفعته اللجنة الى القيادة السياسية الموحدة والمتمثّل بإقامة شريط إلكتروني موصول بكاميرات مراقبة في مناطق حساسة.
قلق لبناني
لبنانياً، رأت النائب بهية الحريري أنّ «الأحداث المؤسفة التي شهدها مخيم عين الحلوة تضع جميع القيادات الفلسطينية في المخيم، وطنية وإسلامية، أمام تحدّي مضاعفة الجهود لضبط الوضع الامني، ومنع تكرار ما جرى عبر التواصل الفعّال والمُنتج بين هذه القوى، وتعزيز حضور وعمل اللجان والأطر المشتركة، وتفعيل القوة الأمنية الفلسطينية للتحرك السريع والمبادرة الى ملاحقة المخلّين بالأمن وتسليم المرتكبين وتطويق ومعالجة أيّ حادث أمني في حينه، منعاً لتفاعله بشكل يجعل أهل المخيم وأبناءه يدفعون الثمن من أرواحهم وأمنهم واستقرارهم ومن قضيتهم المحقة».
ولهذه الغاية، اتصلت الحريري برئيس فرع مخابرات الجيش في الجنوب العميد الركن خضر حمود، كما تواصلت هاتفياً مع الناطق بإسم «عصبة الأنصار الاسلامية».
بدوره، أجرى نائب رئيس المكتب السياسي لـ»الجماعة الاسلامية» في لبنان بسام حمود اتصالات بكلّ من عقل وأبو عرب والدكتور أحمد عبد الهادي (حماس) والشيخ جمال خطاب، متمنياً العمل السريع لعودة الهدوء والاستقرار ووقف الاشتباكات المسلحة، واضعاً «إمكانات الجماعه في خدمة هذا الهدف».
واستنكر حمود عملية الاغتيال، داعياً «القوة الأمنية إلى أخذ دورها واعتقال الفاعلين وتسليمهم الى السلطات اللبنانية»، وقال: «يجب أن يدرك الجميع أنّ كل الأنظار موجّهة إليهم وأنّ هذه الأحداث تخدم كل المتربّصين بالمخيم وأهله شراً، وتؤثر أيضاً في المساعي التي تبذل لتنظيم العلاقة وتفعيل الحوار بين مرجعيات المخيم والسلطات الأمنية اللبنانية ويفتح المجال أمام المصطادين في الماء العكر والعنصريين للتصويب على المخيم وكل الحلول المطروحة».