وافق مجلس النواب المصري، نهاية الأسبوع الماضي، على قانون "تنظيم الصحافة والإعلام" الذي قوبل برفض شديد من كثير من السياسيين والصحفيين والإعلاميين، حيث وصفوه بأنه "يخنق وسائل الإعلام، ويسمح للسلطة التنفيذية بالسيطرة المطلقة على حرية الرأي والتعبير في البلاد".
وأعلن رئيس المجلس علي عبد العال، أن البرلمان أقر القانون بأغلبية ساحقة، ولم يعترض عليه سوى أربعة أعضاء فقط، مشيرا في بيان له إلى أن "البرلمان استمع لكافة الآراء والملاحظات التي وردت إليه من الصحفيين والإعلاميين وجميع المخاطَبين بالقانون".
ومنذ الساعات الأولى لانقلاب 3 تموز/يوليو 2013 أغلق النظام جميع وسائل الإعلام المعارضة له، كما شن حملة اعتقالات ووقف عن العمل غير مسبوقة ضد الصحفيين والإعلاميين طالت المئات منهم، وأصبح لا يسمح في مصر بممارسة الصحافة والإعلام إلا لمؤيدي النظام فقط، بحسب مراقبين.
ويتضمن القانون 89 مادة، تتعلق بتشكيل واختصاصات ثلاث مؤسسات ستتولى جميع شؤون الإعلام والصحافة في البلاد؛ الأولى هي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والثانية هي الهيئة الوطنية للصحافة لتكون بديلاً عن المجلس الأعلى للصحافة، والثالثة هي الهيئة الوطنية للإعلام لتكون بديلا عن اتحاد الإذاعة والتلفزيون الحكومي.
وينتظر القانون تصديق قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، حتى يدخل حيز التطبيق.
نقض للعهد مع الصحفيين
وكانت الحكومة قد تعهدت في أيار/مايو الماضي، لنقابة الصحفيين، بتقديم مشروع قانون موحد للصحافة والإعلام، لكن الحكومة خالفت ذلك بتقدمها الشهر الجاري لمجلس النواب بمشروعي قانونين منفصلين، الأول يختص بالتنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، وهو الذي صدر الأسبوع الماضي، والثاني يتناول قوانين الصحافة والإعلام، ولم يتم تحديد موعد لمناقشته بعد.
ورفضت نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة قانون تنظيم الصحافة والإعلام، وأكدت لجنة التشريعات بالنقابة، في بيان لها، أن القانون الذي أقره البرلمان جاء مخالفا في كثير من نصوصه لما تم التوافق عليه مع الحكومة طوال شهور من التفاوض.
وقالت اللجنة إن القانون "رسخ هيمنة السلطة التنفيذية على الصحافة والإعلام؛ من خلال تعديل مواد تشكيل المجالس الثلاثة، بما يجعل لرئيس الجمهورية الحق في تعيين ما يقرب من ربع أعضاء المجلس والهيئتين، بخلاف بقية ممثلي الحكومة والسلطة التنفيذية".
جرائم وانتهاكات
وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، صلاح عيسى، إن "القانون الجديد معيب، ويحتوي على جرائم وانتهاكات كثيرة يستنكرها كل الصحفيين في مصر".
وأضاف لـ"عربي21" أن القانون يحتوي على "عبارات مطاطة وغير مفهومة، مثل عبارة (مقتضيات الأمن القومي) التي تجعل الجيش والسلطة يتدخلون في أي عمل صحفي، ويمنعون نشره، ويقيدون الحريات بحجة أنها تخالف مقتضيات الأمن القومي، وحتى هذه المقتضيات القانون لم يوضح ما هي بنودها".
وأوضح أن القانون أيضا جعل للهيئة الوطنية للصحافة عدة اختصاصات، واعتمدت في أولوياتها على الصحف المملوكة للدولة، وأهمل تماما العاملين بالصحف الخاصة والحزبية، رغم أنها هيئة وطنية للصحافة كلها، وليس لصحف الحكومة فقط، لافتا إلى أن "أخطر شيء في القانون؛ هو أنه نص صراحة على حق رئيس الجمهورية في التدخل المباشر في عمل أي صحيفة إذا رأى أنها تخالف الأمن القومي، وهو ما يمثل عصفا بحرية الصحافة" على حد تعبيره.
وشدد على رفض "الجماعة الصحفية" لهذا القانون شكلا وموضوعا، مؤكدا أن الصحفيين "يرونه معيبا، ويخالف مواد الدستور التي نصت على احترام حرية الصحافة والرأي والتعبير".
تغول للسلطة التنفيذية
من جهته؛ أكد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية، عمرو هاشم ربيع، أن "القانون يحتوي على مواد غريبة وإشكالات عديدة تمس حرية الصحافة، وتُعدّ تدخلا سافرا في مهنة قيل عنها سابقا إنها السلطة الرابعة التي لديها استقلالية كاملة في عملها".
وأوضح ربيع في تصريحات لـ"عربي21" أن الدستور المصري أقر في مواده أن "الصحافة مهنة مستقلة وحرة، لكن هذا القانون يقضي بأن رئيس الجمهورية هو من يقوم بتعيين رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهو ما يعد تغولا على هذا الحق من قبل السلطة التنفيذية المتمثلة برئيس الجمهورية".
وأشار إلى وجود "بعض المواد الجيدة في القانون، والخاصة بطريقة وأدوات ممارسة مهنة الصحافة، كتراخيص الصحف الخاصة والمستقلة"، مستدركا بالقول: "لكنه على مستوى الاستقلالية؛ لم يؤكد استقلالية الصحف في النشر، ويمنح السلطات التنفيذية حق التدخل في أي وقت من خلال استخدام عبارات مطاطة".
وأضاف ربيع أن القانون يفتح الباب لحظر النشر في قضايا بعينها حتى لو لم يمنع النائب العام النشر فيها، فهناك مادة تنص على أنه "يمنع النشر في قضية بعينها إذا رأت جهة التحقيق أن النشر يؤثر على التحقيق فيها، سواء كانت سياسية أو جنائية"، مؤكدا أن "هذه المادة تعطي سلطات واسعة ليس للنائب العام فقط، وإنما لجهات أخرى مثل النيابات أو فرق التحقيق في عدة قضايا، وهو ما يضر باستقلالية النشر، وينزع السلطة التي كانت موكلة للصحافة في إعلام الناس بالمعلومات والأخبار حول القضايا المختلفة".