خرج اجتماع وزراء الخارجية الثلاث الروسي والايراني والتركي في موسكو بإعلان للحل السلمي للأزمة السورية وبالرغم من أن هذا الأعلان تم إخراجه في غياب أي مكون من الشعب أو النظام السوريين، وبل في غياب أي مكون عربي، لكن يبدو أن حظوظ النجاح له كثيرة وكبيرة وذلك للأسباب التالية
اولاً: لسبب تهميش الولايات المتحدة، لأنها تعيش الفترة الانتقالية وفقدت تأثيرها على المسار السياسي أو العسكري في سوريا، خاصة في ظل تعاطف الرئيس المنتخب مع النظام السوري وإعطاءه الأولوية للقضاء على الجماعات الإرهابية في سوريا وليس معارضة النظام.
وثانيا: لأن اغتيال السفير الروسي في أنقرة، دفع تركيا إلى المزيد من التقرب إلى المحور الإيراني الروسي، وكان لافتاً تراجع تركيا عن شرطها الأهم خلال المفاوضات الثلاثية في موسكو وهو تنحي الرئيس بشار الأسد. ويمكن اعتبار هذا التراجع كترجمة لاغتيال السفير الروسي لدى أنقرة. فإن تلك العملية الإرهابية كبّلت أيدي الدبلوماسية التركية من أداء دور الوسيط بين المعارضة السورية والنظام السوري عبر المفاوضات الثلاثية.
إن تركيا تعرضت هي للإرهاب الذي ترعرع في سوريا مما جعل من المستحيل استمرار دعمها لتلك الجماعات الإرهابية ولو تحت غطاء دعم الديموقراطية وحماية الشعب السوري في صموده ضد الاستبداد. وبدأت تركيا تعرف الآن بأن دواء استبداد الأنظمة الداخلي ليس الإرهاب الدولي. وإذا كان من الممكن التفاوض مع تلك الأنظمة المستبدة وفرض الضغوط عليها عبر المؤسسات الدولية والرأي العام لتقليص ظلمها على المواطنين، إلا أن الإرهاب الإسلاموي أقسى بكثير من الأنظمة الاستبدادية ولا يمكن احتواءه ولا ترويضه ولا التفاوض معه ولا فرض أي ضغط عليه إلا عبر القصف على الغرار الروسي.
فإن الروس لديهم تاريخ طويل في مكافحة الوحش الإسلامي، بدأ من الشيشان وإينغوش، وصولاً الى سوريا، وإذا يحلم الذي يقف وراء اغتيال السفير الروسي بأن روسيا سوف تنسحب عن سوريا بعد اغيتال سفيرها فهو واهم، لأن أسلوب الرئيس بوتين لمواجهة الأزمات هو نفس الأسلوب الذي تعلمه من خلال فن جودو القتالي، وهي المباغتة. إنني لا أبرر هذا الاسلوب ولكنني أرى من الضروري التذكير بأن الروس ليس لديهم أي تحفظ في تنفيذ هذا الأسلوب ولا يميزون بين الارهابي وبين المواطن المدني. وهذا ما فعله الروس تجاه أزمة الرهائن الذين احتجزوا من قبل إسلاميي الشيشان قبل عقد من الزمن، ولم يرضخ بوتين لمطالب المسلحين، وأمر بالتدخل العسكري الذي أدى الى مقتل المسلحين وعدد كبير من المحتجزين.
وهذا الاسلوب يكرر الروس تنفيذه في حلب وربما سوريا عموما، فإنهم ليسوا حريصين على حياة المدنيين خلال الهجوم على الجماعات الإرهابية، وربما يزيد عدد الضحايا المدنيين على قتلى الإرهابيين.