في زمن يتربص العنف بمعظم معالم الحياة ووجوهها ليتحول فعله بحد ذاته إلى أمر طبيعي، فإما أن ينتقل هذا الفعل ليمارس بحق أطفال في البيوت والشوارع أو ليصل إلى صروح تعليمية مؤتمنة على تنمية شخصية التلميذ النفسية كما الفكرية حيث يكرّس كمفهوم تربوي، فهذا أمر خارج عن القوانين والأعراف.
قد يبدو الحديث عن مثل هذه المسائل في زمن المناهج الحديثة التي حملت التلميذ من موقع المتلقي إلى المشارك في العملية التعليمية غريبًا، إلا أن الواقع الذي تسجله الجمعيات الناشطة في مجال حقوق الأطفال في لبنان يكشف عن إرتفاع في نسبة العنف الذي ما زالت بعض المدارس تعتمده وسيلة للتأديب من الجسدي إلى الكلامي أو المعنوي، في ظل غياب الوعي التام للأهل الذين يعتبرون أن ما يقوم به المعلم هو حق من حقوقه كونه الأعلم بمصلحة التلميذ وصلاحه.
تتكرر حالات تعنيف التلاميذ وضربهم بشكل مبرح من قبل الأساتذة لا سيما في بعض المدارس الرسمية دون حسيب أو رقيب فقد إنهال مدير مدرسة مشتى حمود الرسمية محمود عجم بالضرب بواسطة عصا على التلميذ ربيع دندشلي البالغ من العمر حوالي ١١ سنة مما تسبب له بالالام حادة في الركبة وفي أنحاء مختلفة من جسمه.
وفي التفاصيل عاد ربيع إلى المنزل ظهر الإثنين، في 20 كانون الأول 2016، يبكي من كدمات الضرب المطبوعة على جسمه وركبتيّه، فهو الذي يشكو من الربو وضعف وزنه، وكسرٍ قديمٍ في كتفه إثر تعرضه قبل سنة لإصابةٍ من قذيفة سقطت في منطقته من طريق الخطأ من سوريا، ظنّت والدته أنّ أحد أصدقائه حاول الاستقواء عليه، فضربه، لكنّ المفاجأة، أن تكون هذه الكدمات البالغة سببتها عصا مدير المدرسة محمود العجم.
بعد عودة والده معروف دندشي إلى المنزل، إصطحبه إلى الطبيب كي يفحصه، فأكّد في تقريرٍ مفصل، أن ربيع "يعاني من آلام في الركبة جراء تعرضه للضرب بأداةٍ حادة"، وأعطاه أدويةً مسكنة وطلب منه صورة شعاعيّة.
وقد ناشد أهل التلميذ المعنيين في وزارة التربية وضع حد لمثل هذا السلوك الشائن الذي لا يرتقي إلى أساليب التربية بل على العكس يجعل من الطلاب المعنفين أشخاصًا أكثر عدوانية، ووضعوا القضية بين أيدي جميع المهتمين تربويين وحقوقيين وإعلاميين وأجهزة رسمية.
وعليه إن العنف المدرسي بشتى أوجهه هو آفة خلقها المجتمع وكرّسها القانون، ما يحتّم علينا أن نحضّر آذاننا لسماع روايات عنف مدرسي جديدة ونهيّئ أبصارنا لمشاهدة صورها الكريهة سنويًا مع كل عامٍ دراسي جديد، إلى أن يخلع مجتمعنا عن نفسه ثوب الجهل ويتمرّد القانون على ناصّيه.