زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إرولت بيروت اليوم، تحمل معاني كثيرة في هذه الظروف الحالكة في منطقة مشتعلة. فإرولت بادر بطرح مشروع قرار في مجلس الأمن كي يواكب المراقبون الدوليون خروج المدنيين من حلب لحمايتهم من المجازر. وقد مارس السفير الفرنسي فرانسوا دولاتر في نيويورك كل حنكته الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية مع الجانب الروسي الذي بدأ بالرفض كي يحصل على المزيد من التنازلات. وموقف فرنسا مع ضعف تأثيره دولياً بسبب تخلي باراك أوباما وتراجعه، تجب الإشادة به، لأن الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند لم يتراجع يوماً عن موقفه من النظام السوري ووحشيته، كما أنه حاول التحاور والتحدث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، عكس ما يقوله البعض في المعارضة الفرنسية، وفي طليعتهم المرشح الرئاسي لحزب الجمهوريين فرانسوا فيون. وفرنسا واكبت وانتظرت أن يتم الانتخاب الرئاسي في لبنان وتشكيل الحكومة كي يزور وزير الخارجية بيروت اليوم ويهنئ الرؤساء ميشال عون وسعد الحريري ونبيه بري ويدعو عون إلى زيارة فرنسا والنظر في كيفية مساعدة لبنان بعقد اجتماع داعم لهذا البلد.
نقل السفير الفرنسي في لبنان إيمانويل بون إلى النواب الفرنسيين انطباعاً إيجابياً عما جرى منذ انتخاب عون قائلاً إنه سيحمي سيادة لبنان. وهذا أمر مهم جداً للخارج. ولكن المشكلة أن «حزب الله» سيحاول باستمرار نزع هذه السيادة. فهو يجر أبناء لبنان الشيعة إلى حرب خاسرة لمصلحة حماية نظام فاسد ومجرم وحليفه الإيراني. إن مهمة الرئيسين عون والحريري حماية السيادة والنأي بالنفس عما يحصل في سورية بالغة الصعوبة، فحرب «حزب الله» في سورية ليست ضد الإرهاب، ولو كان ذلك صحيحاً لما تُركت لإرهاب «داعش» يدمرها، وشباب «حزب الله» يقاتلون المعارضين للنظام وليس الإرهابيين. وهم يقاتلون إلى جانب قوات روسية تنسق مع إسرائيل بشأن تدخلها في سورية، فأي سيادة لبنانية هذه التي يذهب خيرة شباب الشيعة الذين اعتقدوا أنهم ينتمون إلى ما يسمى مقاومة ليقتلوا شباناً عرباً مثلهم يقاومون نظاماً فاسداً؟ لقد دخل «حزب الله» مستنقع سورية، ومحاولته أخذ لبنان معه الى هذا المستنقع تنبغي مكافحتها من جانب عون والحريري. لكن السؤال: كيف يكون ذلك مع حزب هو أقوى من الدولة؟ وعلى رغم كل هذه التساؤلات التي تطرح دولياً، فإن فرنسا وأوروبا عازمتان على دعم لبنان ومؤسساته. صحيح أن إدارة هولاند في نهاية عهدها والمرشحون المحتملون قد يغيرون سياساتهم إزاء لبنان وسورية، حيث قال المرشح اليميني الأوفر حظاً بالفوز فرنسوا فيون، مرات عدة سابقًا إنه يريد التقارب مع إيران و «حزب الله» والتعامل مع بوتين واختيار الأسد. ولكن هناك تقليدياً استمرارية في الحرص على المصالح في الشرق الأوسط ولبنان من أي رئيس فرنسي. والأمل أن لا تتغير سياسة فرنسا في الشرق الأوسط. لكن المقلق أنه كثيراً ما ترتبط مواقف فرنسا بالولايات المتحدة الحليفة، ومجيء دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية أمر غير مطمئن على هذا الصعيد. ولكن إدارة هولاند ستبقى حتى إشعار آخر مهتمة بلبنان مستقل وسيد، وستسعى إلى مساعدته على النهوض. لكن النجاح في هذه المهمة يتطلب وقتاً أطول ولسوء حظ لبنان والشعب السوري فإن أمام إدارة هولاند أقل من ستة أشهر، وهي مهلة قصيرة للنجاح ولكن على الأقل ستبقى المؤسسات الفرنسية ساعية للمساعدة.
فرنسا ولبنان وسورية
فرنسا ولبنان وسوريةرندة تقي الدين
NewLebanon
مصدر:
جريدة الحياة
|
عدد القراء:
544
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro