اغتيال السفير الروسي في أنقرة، بداية وليس عملاً منفرداً أو منقطعاً عن سياق التطورات والمتغيرات. حلب ستكون الحاضرة الكبيرة في ولادة «إرهاب» غير مسبوق، سيجد له شعبية صامتة أو علنية لدى شرائح كبيرة من السوريين وغير السوريين. خوف الحلبيين من تهجيرهم على غرار الفلسطينيين، سيولد غضباً وأحقاداً تتفجّر في وجه الجميع. الفلسطينيون انتظروا في مخيماتهم أكثر من عقدَين ليحملوا السلاح ويتعلّموا به كيفية إسماع صوتهم للعالم. الحلبيون ومعهم السوريون والمتسورنون، يكفيهم الانطلاق من قلب النار والدمار وقرقعة السلاح والبراميل المتفجرة وأهوال غارات السوخوي والصواريخ الطويلة المدى المنطلقة من السفن الروسية. إرهاب «القاعدة» و»داعش» لن يكون شيئاً أمام رعب الإرهاب القادم المستفيد من جميع التجارب الماضية.
الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية ودفاع روسيا وإيران وتركيا في موسكو تقرّر بعد اتصالات مكثّفة على قاعدة محاولة الإجابة عن سؤال: ما العمل بعد حلب؟
«التعقيدات السياسية والعسكرية المتزايدة للأزمة السورية وضرورة اتخاذ حلول مشتركة لإدارة الأوضاع القائمة فرضت تعزيز التشاور بين مسؤولي الدول الثلاث». الآن مقتل السفير الروسي سيعزّز الاتجاه نحو ضرورة البحث عن حلول.
من الواضح حتى الآن وجود محورَين في هذا الاجتماع الثلاثي الذي ستكون دمشق الغائبة الحاضرة فيه.
* المحور الأول: يضم موسكو وأنقرة مع وجود تباينات يمكن أن تتبلور في اختلافات علنية لاحقة. الثنائي الروسي – التركي، يريد حلاً سياسياً في سوريا مع تشديد روسي على ضرورة إجراء بشار الأسد إصلاحات واسعة تقوم بداية على تشكيل حكومة موسّعة تضم شخصيات من المعارضة لم يتم حتى الآن تحديدها. الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان يريدان ويعملان على عقد اجتماع تحضره الحكومة السورية والمعارضة السورية.
السؤال الأول الذي يطرحه هذا الاجتماع أي معارضة؟ ومَن يحدّدها وكيف؟
السؤال الثاني لماذا كازاخستان؟ يبدو أن موسكو تريد طيّ صفحة جنيف حالياً، عبر كازاخستان بحيث يمكنها التحكّم في إدارة المؤتمر بعيداً عن تدخّلات واشنطن والدول الأوروبية القريبة خصوصاً باريس وبرن.
رغم نفي أنقرة أي اتفاق سرّي بين بوتين واردوغان عندما التقيا في شهر آب الماضي، فإنّ التسريب قوي بأنهما وقّعا معاهدة عدم اعتداء مشتركة تتعهّد تركيا فيها بالانفصال عن جبهة «فتح الشام». وقد طلبت موسكو من أنقرة ذلك لتسهيل عملية تطويق حلب، وقد أكدت تطوّرات معركة حلب ذلك. مقابل هذا فإن موسكو تعهّدت لأنقرة الحيادية في معركة إدلب القادمة، في دعم انهيار الحلم الكردي في إقامة تواصل جغرافي لـ»الكانتون» الكردي الذي يشكّل شريطاً حدودياً مع تركيا يهدّد وحدتها باستمرار.
[ المحور الثاني طهران ودمشق، وهو يصرّ على الحلّ العسكري الذي يُنهي كل المعارضات. الجنرال قاسم سليماني الذي تفقّد حلب بعد تهجير سكانها يدرس، كما يؤكد الخبراء، كيفية استكمال «حرب التحرير» وتثبيت نظام الأسد إلى الأبد مع ما يعني ذلك من تغييرات ديموغرافية وسياسية.
موسكو لن ترضخ لرغبات المرشد آية الله علي خامنئي وتوجّهاته. تعرف موسكو ميدانياً أن أحلام المرشد كبيرة وإمكاناته محدودة. من دون مشاركة موسكو في المعارك لا يمكنه أن «يحرّر» شبراً من الأرض السورية. ويبدو أن «القيصر» لم يتوانَ عن استثمار كل ما يملكه من معلومات وملفات لفرض ما يريده في سوريا والمنطقة فهو يخطط لتنفيذ مشروع استراتيجي يجعل روسيا دولة مقيمة في الشرق الأوسط، وهذا يتطلب العمل على إلغاء «أقفار الدبابير« سواء في سوريا حالياً أو بين إسرائيل والعرب لاحقاً. لهذا فإن التساؤل هو:
[ لماذا صدر تقرير روسي حول معركة تدمر الأخيرة مع «داعش» الذي كشف عن هرب القيادة السورية وعلى رأسها نائب رئيس الأركان وضباطه من تدمر ممّا دفع الجنود إلى ترك سلاحهم والفرار؟ هذا التقرير يؤكد أن الجيش السوري مهما بلغ عديده غير مؤهّل لخوض معارك ضخمة في غياب المشاركة الروسية. المطلوب شيء من التواضع في أحلام المرشد والأسد.
[ لماذا جرى تسريب تقرير روسي بأن خامنئي وعدداً آخر من الملا درسوا في «جامعة لومامبا« وخضعوا لدورات تحت إشراف المخابرات الروسية؟ موسكو بهذا تهدّد بكشف المزيد من الأسرار الخطيرة المسيئة إلى الوضع الداخلي في طهران.
يبقى أن المعارضة السورية أصبح لديها الآن مهمّتان؛ إسقاط النظام الأسدي وتحرير سوريا من الاحتلالَين الإيراني والروسي. لذلك تتجه بعض القيادات السورية التي تخوّفت من «عسكرة» الثورة قبل وضع صيغة سياسية وتنظيمية، إلى العمل على صيغة جديدة تقيم التنظيم الموحّد المنفصل عن أسلمة الإرهابيين. وهي تستطيع أن تعتمد مستقبلاً على دعمها في خوف العالم من ولادة الإرهاب الجديد.