كان حلم العودة إلى السلطة لدى الرئيس سعد الحريري أقوى من سماع الأصوات التي تُحذّره من النتائج السلبية لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. على وقع الخسائر التي مُني بها المحور الإقليمي الداعم له، حاول الحريري تظهير انتخاب عون انتصاراًَ لتياره السياسي. كان ذلك أهون من التوقيع على تشكيلة وزارية تضم أكثر الأسماء استفزازاً لخط الحريري السياسي ولا يملك فيها ثلثاً ضامناً، وذلك بعد انتصار الدولة السورية وحلفائها في مدينة حلب.
لم يعد أحد يتوقع من ابن رفيق الحريري، خاصة حلفاءه، أداءً سياسياً أفضل من الذي قدّمه. حتى أنّ كل جرعات الحماسة التي حاول البعض تعويم أولى حكومات العهد الجديد بها، انحسرت. وحده الرئيس ميشال عون سبق الجميع إلى هذه الخلاصة، عبر نفض يديه منها حين قال إنّ أولى حكومات العهد الجديد ستتشكل بعد الانتخابات النيابية.
لا أحد يتوقع العجائب من حكومة لا تجعلها تركيبتها سوى ائتلاف للفيتوات المتبادلة. بندٌ واحد فقط واجب عليها التزامه والعمل من أجل إقراره، هو التوصل إلى قانون جديد للانتخابات النيابية. ولا حلّ إلا باعتماد النظام النسبي. بعض القوى ستُمارس الخديعة، عبر تطويع النسبية لتُصبح شكلاً آخر من أشكال فرز مجالس المحاصصة القائمة. فالنسبية إما تكون شاملة أو لا تكون. وكُلّ ما يُطرح من «أرثوذكسي»، والنماذج المتنوعة من «المختلط»، أو تعديل القانون النافذ، يبقى دون المستوى المطلوب لتحقيق حد أدنى من التمثيل الصحيح.
منذ 10 سنوات وأدراج الكتل النيابية تعج بمشاريع القوانين التي لم يتمكن السياسيون من الاتفاق على أي منها. يستجد الحديث حول هذا الملف اليوم، مع تعليق الآمال على عهد الرئيس الجديد بأن يُنفذ ما وعد به. قانون الانتخابات سيكون الاختبار الأول لتدعيم الخطاب السياسي بدلالات حسية. وبعد أن أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أنّ «النسبية الكاملة هي الممر الإلزامي للدولة»، وإصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري على إقرار قانون جديد للانتخابات مع موافقته على النسبية، كان التيار الوطني الحر أول من بدأ العمل الجدي لتحريك مياه هذا الملف. بدأ عدد من نواب تكتل التغيير والإصلاح جولاتهم على رؤساء الكتل النيابية والأحزاب والشخصيات المستقلة. كانوا واضحين بأنّ «من لا يُسهل مهمتنا يريد الإبقاء على الستين»، وبأنّ «وجودكم كقوى سياسية لا يتأمن إلا من خلال النسبية». لم يرفع «التغيير والإصلاح» راياته البيض بعد، ولكنّ همته بدأت تبرد. المعارضون لإقرار النسبية معروفون، وهم يظهرون يومياً من وادي أبو جميل وكليمنصو ومعراب ليوهموا الرأي العام بأنهم ضد النسبية حتى لا يقبض حزب الله على الدولة. تماماً كما كانوا يضللون ناخبيهم بأنّ انتخاب التيار الوطني الحر يعني أنّ «التشادور» سيُفرَض على النساء في الأشرفية!
وفي هذا الإطار، عاد رئيس مجلس النواب نبيه بري وأبلغ كلّ المعنيين بأن ثنائي حزب الله ــــ حركة أمل ليس في وارد السير بقانون الستين بأي شكل من الأشكال. وأنه تبين بعد الجولة النيابية التي قام بها وفد تكتل التغيير والإصلاح أنّ القوى المعترضة على النسبية هي تيار المستقبل واللقاء الديموقراطي والقوات اللبنانية. في حين أنّ تحالف حزب الله ــــ التيار الوطني الحر، يطرح مبدأ النسبية الكاملة. وبحسب المعلومات، فإنّ التيار العوني عرض على بري تشكيل لجنة لبحث قانون الانتخابات. إلا أنّ رئيس المجلس لم يبد حماسة للخطوة، لأنّ الوقت لم يعد يسمح.
وقال بري، أول من أمس، أمام زواره إنه يُدرك تماماً صعوبة الوصول إلى قانون انتخابات على أساس النسبية الكاملة في الانتخابات المقبلة. لكنه يعتبر أنّ الفرصة مثالية لإحداث نقلة نوعية في القانون يُبنى عليها في الدورات اللاحقة للتوصل إلى النسبية. وذكّر بالقانون المختلط الذي طرحه ويقسم النواب بين 64 يُنتخبون وفقاً للنسبي و64 على أساس أكثري. وهو يُصر على أنّ أي تعديل في هذا الاقتراح يجب أن يراعي المبادئ التي أُعدّ على أساسها والتي تكفل تمثيل الأقليات في الدوائر الانتخابية.
وكانت القوات اللبنانية وتيار المستقبل قد حاولا طرح التعديل على قانون بري المختلط بما خص دوائر كصيدا وبشري. يقول رئيس المجلس في هذا الإطار إنه «لا مانع من بعض التعديلات، لكني لن أقبل بأن تكون هناك دوائر مفصّلة على قياس قوى بعينها». مع إشارته إلى أنّ قانونه المختلط يُقلص عدد نواب حزب الله ــ حركة أمل، أقلّه 3 نواب. ويُدرك بري أن جنبلاط سيكون أحد المتضررين من النسبية، لذلك يبحث عن إدخال تعديلات على مشروع قانونه، منها أن يكون الاقتراع على مرحلتين، تكون الأولى مخصصة لتحديد المؤهلين إلى الاقتراع على الأساس النسبي. هو تأهيل أكثري على أساس الطوائف، ما يعني استعادة لنص المشروع الأرثوذكسي.