إن من السابق لأوانه الحديث عن الانتصار في حلب، بعد موجة التهجير الأخيرة لسبب بسيط هو أن تلك الحرب لا تتخلّل انتصارًا بل جميع الأطراف فيها هم الخاسرون.
وكان الصمت الإيراني لافتًا تجاه ما يجري في تلك المدينة المدمرة التي لم يبقَ منها إلا الرماد. والشعب الإيراني الذي يعرف الحرب وتداعياتها في أي مكان في العالم يعرف جيدًا أن لا حرب تنتهي إلى انتصار، حيث أن الحرب أمرٌ غير أخلاقي، والحديث عن الانتصار في أمر غير أخلاقي ليس بمنطقي.
وعندما قرأت بعض القصائد الملحمية التي تدعو الشعوب العربية إلى شنّ حرب ضد الشيعة - أو من يعبّر عنهم هذا الشاعر التكفيري بالمجوس- بعد الأحداث الأخيرة في حلب وتصوير الأحداث في حلب وكأنها حربٌ بين الشيعة والسنة، أيقنت بأن الشاعر العربي واهم قطعًا، وربما يتوهم بأن الشعب الإيراني احتفل الانتصار في حلب، بينما لم يحرّك ذاك الانتصار الشعب الإيراني بتاتًا فضلا عن أن يحتفل به.
نعم بعض المواقع الروسية قارنت بين استرداد حلب وبين تحرير مدينة خرم شهر الإيرانية في العام 1982 من الجيش العراقي المحتل الذي يحتفل به عموم الإيرانيين سنوياً. وذكّر بعض الخبراء الإيرانيين الروس بأن الروس كانوا يدعمون الجيش العراقي عندما احتل مدينة خرم شهر الإيرانية واستمروا في دعم الطاغية صدام حسين حتى أنفاسه الأخيرة.
كما ينبغي تذكير هذا الشاعر العربي بأنه التزم الصمت طيلة 8 أعوام من الحرب التي شنها الطاغية صدام حسين ضد الشعب الإيراني المسلم، ولم يعبّر عنها بالحرب بين الشيعة والسنّة، والحقيقة أن تلك الحرب لم تكن حرب السنّة ضد الشيعة ولم تسجلها ذاكرة الشعب الإيراني كحرب مذهبية . وما يجري الآن في سوريا أيضًا ليست حرب مذهبية، فمعظم الجيش السوري هم من السنة، كما أن معظم المعارضين بما فيهم المجموعات الإرهابية المتنازعة هم من السنة.
إن الانتصار والمنتصر الحقيقيين في سوريا سوف يتبيّن بعد نفض غبار الحرب عن تلك المدينة وعبر الأساليب الديموقراطية وأهمها الانتخابات.
ولكن يمكن القول أنّ انتصار إيران لم يكن في حلب، بل إنّ انتصار إيران يكمن في إنقاذها أرواح المدنيين في القريتين: فوعا وكفريا، وهم دفعوا تكاليف انتماءهم المذهبي باهظًا بينما كانوا أبرياء. وكما لم يكن شيعة بصرة مشاركون مع صدام حسين، فإن الشيعة في تلك القريتين لم يشاركوا حكومة البعث السوري في جميع الجرائم التي ارتكبتها ضد الشعب السوري.
وبالرغم من أن إيران تنفي عرقلتها تجاه عملية التنقّل من حلب إلى إدلب ربما تجنباً من تداعياتها الطائفية، ولكن يحق لها أن تعتزّ بتلك الصفقة الإنسانية أي تنقل المسلحين من حلب مقابل تنقل المدنيين من القريتين فوعا وكفريا.