بدأت عدة منتديات عربية وإسلامية تقارن بين المأساتين السورية والعراقية من جهة، والمأساة الفلسطينية من جهة ثانية. ولا شك أن الأهوال الحاصلة من حيث الكم والكيف أفظع بما لا يقاس. فقد قُتل من السوريين والعراقيين زُهاء المليون خلال أقل من خمس سنوات، وتهجر حوالى السبعة عشر مليوناً داخل البلدين وخارجهما. بينما قُتل في المأساة الفلسطينية زُهاء الخمسين ألفاً، وتهجّر حوالى المليون.
ومع ذلك فالمقارنة تظل موضع نزاع، ليس لأنها مقارنة مع الفارق، بل ولأن الزمان غير الزمان، كما أن العدو غير العدو. فالشعب الفلسطيني كان عدده عام 1948 مليونين ونصف المليون، ومعنى ذلك أنه تهجر نصفه تقريباً، وحل محلَّهم يهود. أما لجهة العدو فهم الصهاينة في حالة فلسطين، وقد حلُّوا محلَّ الشعب الفلسطيني، وأقاموا دولةً يهوديةً لأنفسهم على أرضه. أما في حالتي سورية والعراق، فإن المخاصمين للشعب السوري في الأصل هم نظامه وإيران وميليشياتها العراقية واللبنانية والأفغانية. ولسنا ندري ما هدفهم من تهجير الناس من جوار دمشق وأريافها وحمص بالداخل والجوار، والآن بشرقي حلب، ومناطق أخرى كثيرة: يحاصرون المدينة أو البلدة ويجوعون سكانها حتى يستسلموا ويقبلوا بترك مواطنهم. وقد حلَّ محلَّهم في الزبداني وداريا شيعة عراقيون ولبنانيون. لكن مناطق التهجير هائلة الاتساع، ولذا فنحن لا ندري بالفعل ماذا ينوون فعله بها. هم لا يريدون بالقطع إعادة النازحين، بدليل أنّ بشار الأسد قال مراراً في المدة الأخيرة إن النسيج الاجتماعي في سورية صار أفضل بعد عام 2011. وهو يقصد أن أعداد الأكثرية السنية تراجعت، إذ تهجر منهم إلى خارج الحدود أكثر من ستة ملايين. فهل يريد الإيرانيون أن يقوموا في سورية والعراق، مثل ما قام به المستوطنون الصهاينة في فلسطين، أي الاستيلاء والاستيطان؟ الواضح حتى الآن أنهم يريدون دفْع سكان المدن والبلدات إلى الأرياف، أي إخراجهم من «سورية المفيدة» التي تمتد من درعا في الجنوب عبر دمشق والقلمون وهي المناطق المحاذية للنواحي الشيعية في لبنان، ومن هناك باتجاه حمص ووادي النصارى على الحدود مع لبنان، ثم باتجاه حلب واللاذقية وحماة. وبذلك تبقى المناطق البترولية في الرقة ودير الزور فإدلب شرقاً، وتدمر باتجاه الصحراء، كل هذه المناطق تبقى خارج «سورية المفيدة»؟ تركيا تقول الآن إنها تهيئ مخيماً على حدودها وبالداخل التركي لنحو مائة ألف مهجَّر من حلب، أما الآخرون الذين يريدون الذهاب إلى غربي حلب، في مناطق سيطرة النظام، فالإيرانيون يريدون منعهم من ذلك، وقَودهم إلى نواحي إدلب الخاضعة للمعارضات المسلحة، كما حصل من قبل مع الكثيرين من سكّان جوار دمشق.
ثم إنّ الرائحة الكريهة والعنصرية التي نشرها الصهاينة في فلسطين عبر الإصرار على يهودية الدولة، واعتناق أيديولوجيا «الترانسفير» موجودة أيضاً في أخلاد الإيرانيين وتصرفاتهم. فهم يفخرون بتشييع الناس، ونشر مذهب أهل البيت بين الفقراء وذوي الحاجة. وبعد التشييع يأتي التجنيد في ميليشيات مسلَّحة، يقودها شيعةٌ قُدامى، تأتمر بأمر خامنئي، وتخرّب العمران، وتقتل الإنسان. وعندما عجز الجيش (العربي) السوري، والجيش الإيراني وسائر المتأيرنين عن حماية بشار ونظامه، هبَّ لنجدتهم الروس، ودمرَّوا بطائراتهم خلال عام، ما عجز «جنود آل البيت» عن تدميره. ويقال إنّ الروس يريدون منافسة الأميركان على مناطق النفوذ. إنما الواضح أنّ أوباما ما كان من همه منافسة الروس ولا الإيرانيين!
ماذا عن نظام الحكم في سورية؟ منطق الإيرانيين ووسائل إعلام النظام أنّ الأسد باقٍ للأبد. وقد أعطونا دليلاً لا يُدحَضُ على شجاعته أنه خاض عدة معارك بنفسه سراً، «وأطلق أكثر من ألف طلقة»! أما الروس فيقولون بغموض إنه بعد حلب سيبدأ الحلُّ السياسي!
ولنعد إلى المقارنة المتنازَع عليها كما سبق القول. منذ عام 1974 على الأقلّ ما نزال ننتظر الحلَّ السلميَّ والعادل للقضية الفلسطينية. فكم سننتظر نحن والشعب السوري الحلَّ السياسيَّ في سورية؟ وهل يكون شاملاً أم أنه خاص بـ«سورية المفيدة»؟ ثم كيف يتم الحلُّ السياسي، بغياب نصف الشعب السوري في القبور والمنافي؟! وهل تبقى المقارنة صحيحة أو هل تصبح صحيحة، لأنّ أكثر من نصف الشعب الفلسطيني غائب عن فلسطين؟ فيا لسوريا ويا لفلسطين ويا للعرب!
صحيفة" الاتحاد".