اذ صدرت مراسيمها بعد نحو 45 يوماً من تكليف الرئيس سعد الحريري، فيما كانت حكومات سابقة استغرقت فترات راوحت بين 6 اشهر و11 شهراً. وبغضّ النظر عن التوازنات التي تمنّتها هذه الحكومة التي ارتضاها الجميع باستثناء حزب الكتائب الذي رفض المشاركة فيها، بصفة وزير دولة، فإنها تميّزت بـ»حصة الاسد» التي نالها الحريري وكذلك بعدم نَيل طرفي 8 و14 آذار «الثلث المعطل»، فيما شكلت حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع حصة «التيار الوطني الحر» بيضة القبّان بين الطرفين. كذلك تميزت الحكومة عن سابقاتها بإحداث وزارات للمرة الاولى لشؤون النازحين وحقوق الانسان، ومكافحة الفساد، والتخطيط، فضلاً عن وزارة دولة لشؤون المرأة بَدت المفارقة فيها أنها أسندت لرجل وليس لامرأة، فيما أسندت لامرأة وزارة شؤون التنمية الادارية هي الدكتورة عناية عز الدين.وأيّاً كانت التوازنات والمحاصصات التي انطوت عليها التشكيلة الوزارية، فإنّ السؤال الذي يطرحه الجميع هو: هل ستنجح هذه الحكومة في الامتحان، بل في المهمة الكبرى التي تنتظرها وتكاد تكون حصرية وهي إقرار قانون انتخابي جديد وإجراء الانتخابات النيابية على أساسه؟
وعلى هذا السؤال تجيب مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ نجاح هذه الحكومة مرهون بالدرجة الاولى بإقرار قانون الانتخاب العتيد، فإذا فشلت سيكون ذلك دخول البلاد في أفق مسدود في اعتبار انّ كل المواقف والمؤشرات تدل الى انّ هناك استحالة في إجراء الانتخابات على اساس قانون الستين النافذ تُوازيها استحالة تمديد جديد لولاية مجلس النواب.
وترى المصادر انّ المسؤولية الكبرى في هذا المجال تقع على عاتق رئيس الجمهورية الذي تعهد في «خطاب القسم» بإقرار قانون انتخاب جديد تجري الانتخابات المقبلة على أساسه، وكذلك على عاتق رئيس الحكومة الذي سيكون عليه قبول التحدي لإنجاح حكومته في مهمتها.
«خلطة سرية»
ويبدو انّ «خلطة سرية» من الاتصالات ينتظر ان تنكشف خيوطها في قابل الايام هي التي أنتجت الحكومة، وذلك على عتبة دخول البلاد مدار عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، وأعلنت مراسيمها عقب لقاء ثلاثي عقد مساء امس في قصر بعبدا ضمّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، تلاه اجتماع بين عون والحريري دعا بعده الاخير الجميع الى «التعاون من اجل لبنان»، وحَضّ اللبنانيين على «الأمل والتفاؤل بقدرتهم وقدرة حكومتهم الجديدة على العمل والإنجاز من أجل غد أفضل».
وأوضح بعد اعلان مراسيم تشكيل «حكومة الوفاق الوطني» انّ أولى مهماتها «التوَصّل بالتعاون مع المجلس النيابي إلى قانون جديد للإنتخابات، يراعي النسبية وسلامة التمثيل».
واكد «إنّ تشكيلة هذه الحكومة لم تأت لتثبيت سابقات أو لتكريس أعراف. وقد تنازل كل طرف سياسي بمكان، لنتوَصّل إلى حكومة الوفاق الوطني». واشار الى انه «عرض على حزب الكتائب وزارة دولة في هذه الحكومة، «لكنه آثر رفضها، على رغم كل محاولاتي، فكان هذا هو المستطاع».
ووعد بالسعي لإدراج «كوتا» للمرأة في المجلس النيابي ضمن القانون الانتخابي الجديد».
دفاع وعدل
وتوقف مصدر اطّلع على الاتصالات التي سبقت تأليف الحكومة عند التشكيلة الوزارية، فقال لـ»الجمهورية»: «لقد استطاع بري و»حزب الله» فرض رأيهما بتأليف حكومة ثلاثينية، وتمكنا من انتزاع مواقع اساسية فيها كحقيبتي «الدفاع» و«العدل»، وهناك اكثر من «ثلث معطّل» لفريق 8 آذار فيها.
وفي المقلب الآخر،تقاسم رئيس الجمهورية و«القوات» الحصة المسيحية واستطاعت «القوات» إبعاد حزب الكتائب فيما لم ينجح عون في إبعاد تيار «المردة». واعتبر المصدر «انّ الحكومة مؤشر الى انّ قانون الانتخاب الجديد سيكون مبنياً على النظام النسبي، وقد سبق ان اعطى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الضوء الاخضر في شأنه».
«القوات»
ورحّبت مصادر «القوات» عبر «الجمهورية» بخطوة تأليف الحكومة «على رغم العقد المفتعلة التي وضعت عن سابق تصور وتصميم من أجل عرقلة انطلاقة العهد»، وأملت في «انطلاقة ميمونة تعيد الزخم الوطني الذي تظهّر مع انتخاب الرئيس ميشال عون وتكليف الرئيس سعد الحريري».
وأكدت «انّ «القوات» خرجت منتصرة من المواجهة التي شنّت ضدها على جبهات مختلفة، تبدأ بمحاولة فك علاقتها مع «التيار الوطني الحر» ولا تنتهي بوضع الفيتوات عليها وما بينهما محاولات إحراجها لإخراجها من الحكومة».
واستغربت هذه المصادر «التركيز على حصة «القوات» أو ما سمّي بتراجعها، علماً أنّ حصتها في حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية لا تقارن بحصتها في حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى، وكانت آخر الحكومات التي شاركت فيها «القوات» بحقيبتي عدل وثقافة، فيما حصّتها اليوم تتضمن نيابة رئاسة الحكومة وثلاث حقائب ووزير حليف هو ميشال فرعون الذي خيضَت مواجهة لاستبعاده عن الحكومة في سياق الخطة المبرمجة لتحجيم «القوات» وفصلها عن «التيار الوطني الحر».
وأشارت المصادر إلى «حديث رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال حرفياً إنه «باستثناء حقيبة المال، حصل فريقنا (حركة «أمل» وحزب الله) على الحقائب التي لا يرضى بها أصغر الأحزاب، ومع ذلك نحن راضون»، وبالتالي لماذا التركيز على «القوات» التي تفوق حصتها حصة الحزب والحركة معاً، أو التصويب على تراجعها من دون تراجع غيرها والأمثلة أكثر من أن تعدّ وتحصى، فيما ما حصل ويحصل لا يسمّى تراجعاً بمقدار ما هو جزء من العملية التفاوضية برمّتها».
واعتبرت المصادر أنّ «القوات» لم تطالب بحقيبة الأشغال، إنما عرضت عليها من جانب الرئيس المكلف ضمن «باكيدج» بعد تَمنّي الرئيس عون على الدكتور جعجع التخلي عن الحقيبة السيادية كون الطرف الآخر سيتذرّع بهذه المسألة للحؤول دون تشكيل الحكومة».
وأضافت: «انطلاقاً من حرص «القوات» على التسهيل تجاوبت مع تمنّي الرئيس، فيما لو عرضت عليها الصحة لا الأشغال لكانت وافقت أيضا، لأنّ هذه الحقيبة من وزن تلك ولا تمييز بين صحة وأشغال، فضلاً عن انّ «القوات» لم تطلب لتتراجع، إنما وافقت على ما عرض عليها من الرئيس المكلف».
ولفتت مصادر «القوات» إلى «انّ نيابة رئاسة الحكومة تعد الموقع الخامس في الدولة اللبنانية، وهذا الموقع ليس صُوَرياً كما يعتقد البعض أو يصوِّر، ويؤشر إلى موقع «القوات» المؤثّر داخل النظام اللبناني».
وأكدت انه لو أسندت إلى «القوات» وزارة غير الصحة لَما وافقت، ورئيس الجمهورية والرئيس المكلف أبدَيا كل تضامن معها وربطا إصدار مراسيم التأليف بموقفها، خصوصا انّ الرئيسين عون والحريري على دراية تامّة بحرص «القوات» على انطلاقة العهد وانها لا يمكن ان تكون في موقع المعطّل لهذه الانطلاقة».
وشَدّدت المصادر على انّ «القوات» لم تضع أيّ «فيتو» على «المردة» ولا بطبيعة الحال على «الكتائب»، وجُلّ ما في الأمر انّ وزارة الأشغال التي آلت إلى فرنجية كان الرئيس المكلف خَصّها لـ«القوات»، وبالتالي لا خلاف مع بري أو فرنجية أو غيرهما، فيما «القوات» هي الطرف الوحيد الذي تعرّض لحرب شعواء تبدأ من محاولة إحراجها فإخراجها ولا تنتهي بالسعي لتحجيم مشاركتها وما بينها فك تحالفاتها السياسية وتفاهماتها».
وقالت المصادر «انّ «القوات» تعاملت باستيعابية وليونة مع مفاوضات التأليف، والمهم في نهاية المطاف هو النتيجة التي وصلت إليها. فعلى رغم الحرب الضروس التي شنّت عليها خرجت منتصرة بكتلة وزارية وازنة».
واعتبرت «انّ كل محاولات تحجيم القوات تحطّمت على صخرة التفاهم القواتي- العوني، هذا التفاهم الذي أثبت رئاسياً وحكومياً متانته وصلابته وسيمتد نيابياً»، وأكدت «أنّ الحكومة الثلاثينية لم تبدّل في التوازن السياسي الذي تمّت على أساسه هندَسَة حكومة آلـ 24»، وأملت المصادر في «أن يفتح تشكيل الحكومة مرحلة وطنية جديدة تمهّد لانتخابات نيابية وفق قانون جديد وورشة إصلاحية».
جعجع
وقال رئيس حزب «القوات» سمير جعجع الذي اجتمع بوزارء «القوات» مساء في معراب «إننا بكل صراحة لا نجد هذه الحكومة مثالية بدءاً من حجمها وصولاً لبعض الثغرات فيها، فبالنسبة الينا انّ الحكومة يجب ان تكون جسماً فعّالاً، ولكن من خلال مشاركتنا فيها سنحاول ان نضع كل ثقلنا لتكون الحكومة منتجة».
وأضاف جعجع في مؤتمر صحافي عقب إعلان الحكومة: «منذ بدء تشكيل الحكومة حتى الآن حصلت حرب «داحس والغبراء» ضد وجود «القوات» في الحكومة، مع العلم أننا لم نشارك في الحكومات السابقة لعدم اقتناعنا بجدوى تلك الحكومات، وقد كان البعض سعيداً بذلك، ولكننا متواجدون اليوم لمعارضة ما كان يجري في السابق وليشعر المواطن بالفرق، والّا لما كنّا دخلنا الى الحكومة، فبالرغم من الحرب علينا حافظنا على مواقعنا وعددنا لنكون فعّالين ومنتجين».
واكد «انّنا لن نكون في الحكومة بشكل تقليدي ولا زيادة عدد، وسنحقق الأحلام والخطط التي يعمل عليها الوزراء وسنقدّم الفارق الذي نخطّط له»، وشدد على «وجوب أن تكون الحكومة جسماً منسجماً وعملياً وسنعارض ما كان يحصل سابقاً».
من جهته غرّد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عبر حسابه على «تويتر» معلّقاً على تأليف الحكومة فقال: «بعد فحوص دقيقة ومكثفة من شتى انواع الاخصائيين ولدت الوزارة».
حوار ثنائي
ومن المتوقع ان تحضر الظروف التي رافقت تأليف الحكومة الجديدة في صلب جلسة الحوار الثامنة والثلاثين بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» في عين التينة مساء غد ما لم يطرأ ايّ جديد يؤدي الى تأجيلها.
وقالت مصادر «المستقبل» لـ«الجمهورية» انّ الموعد حدد مبدئياً منذ الاجتماع الأخير في 29 تشرين الثاني الماضي. وسبق ان تمّ التفاهم عليه قبل ايام لتأكيد الموعد قبل التطورات الحكومية الأخيرة. واعتبرت «انّ ما حصل على المستوى الحكومي يسهّل انطلاقة المؤسسات الدستورية التي عليها مواجهة الاستحقاقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية».
مجموعة الدعم
وفي المواقف، رحّب أعضاء مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان بحرارة بإعلان الحكومة وهنّأوا الحريري آملين «أن تتم المحافظة والبناء على الزخم الايجابي الذي نشأ مع انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة.
هذه فرصة تشتد الحاجة اليها للقيادة اللبنانية لإعادة تفعيل مؤسسات الدولة وتلبية آمال الشعب اللبناني وتطلعاته من خلال معالجة التحديات الملحّة التي يواجهها لبنان». وشددوا «على أهمية إجراء الانتخابات النيابية في الوقت المحدد بغية الحفاظ على تقاليد لبنان الديموقراطية».
كذلك شددوا «من أجل الاستقرار المحلي والاقليمي، على أهمية استمرار إلتزام لبنان بقرارات مجلس الامن ذات الصلة، بما في ذلك القرار 1701 (2006)، واتفاق الطائف، وإعلان بعبدا والتزامات دولية أخرى».
وأعلن أعضاء المجموعة انهم يتطلّعون «إلى الاعتماد السريع للبيان الوزاري الجديد»، وأبدوا استعدادهم «للعمل عن كثب بالشراكة مع الحكومة الجديدة لدعم استقرار لبنان وسيادته ومؤسسات الدولة».
«القوات» و«المردة»
الى ذلك، وفي حين تمّ التداول بمسعى بطريركي ماروني لإتمام المصالحة النهائية بين «القوّات اللبنانية» وتيار «المردة» على غرار التفاهم بين «القوّات» و»التيار الوطني الحرّ»، أكّدت مصادر كنسيّة لـ«الجمهورية» أنّ «العلاقة بين «القوات» و«المردة» قطعت أشواطاً كبيرة سابقاً، وعقدت لقاءات بين الدكتور سمير جعجع والنائب سليمان فرنجية في بكركي، وزالت الخلافات الشخصية»، لافتة الى انّ «الخلافات السياسية تحتاج الى وقت أو ربما الى ظروف تسهّل التقارب مثلما حصل بين «القوات» و»التيار».
وشدّدت المصادر على أنّ «الراعي يقوم بكل ما في وسعه لتذليل الخلافات بين الأقطاب الموارنة، وأيّ مبادرة لجمع جعجع وفرنجية ليست جديدة لأنه يتمنى أيضاً أن يصالح جميع اللبنانيين».
ودعت «اللبنانيين الى التصالح الحقيقي في زمن الميلاد»، موضحة في المقابل أنّ «الخلاف السياسي بين «القوات» و»المردة» مشروع لأنّ الساحة المسيحية متنوعة ويجب المحفاظة على هذا التنوّع».
وأشارت المصادر الى أنّ «بكركي تعلم جيداً أنّ جعجع أثبت انه يملك من الجرأة ما يكفي لمصالحة أيّ كان، وهذا ما اثبتته ورقة التفاهم مع «التيار». كذلك، فإنّ فرنجية يقدّم كل التسهيلات من أجل وحدة الصفّ المسيحي. لذلك نعتبر أنّ خلافه مع رئيس الجمهورية هو غيمة صيف نتمنّى ان تعبر قريباً، وأن تعود الأمور الى طبيعتها».