ولعله لم يعد يجدي التستر على عامل مواكب لمسلسل التعقيدات المتعاقبة بات ماثلاً بقوة في المشهد السياسي ويبرز مع تقدم استحقاق طرح قانون النسبية للانتخابات النيابية بما يصعب تجاهل الأثر الذي له في المجريات الخفية للضغوط التي تسابق مجريات تأليف الحكومة ولو تطوع المعنيون بهذا الاندفاع الى رفع شعار الفصل بين المسارين الحكومي والانتخابي.
ربما كان الكلام عن ادراج قانون الانتخاب على أساس النسبية الكاملة كشرط أو ممر إلزامي للإفراج عن التركيبة الحكومية مبالغاً فيه من زاوية بعض القوى الرافعة لواء هذا القانون والتي تردد ان لا رابط بين الاستحقاقين. لكن ثمة وقائع تجري على محور الحركة السياسية والحزبية لجعل القانون النسبي أحد العناوين الملحة المقترنة ضمناً بالمشاورات اليومية لتسهيل ولادة الحكومة تعكس اتجاهات واضحة لتقديم الصراع الانتخابي وحسمه لمصلحة النسبية الكاملة على الاشتباك الحكومي الذي يكاد يبدو كأنه تراجع الى المرتبة الثانية في الأولويات.
وبعض ملامح هذا الواقع برز في تفاهم عين التينة "الثلاثي" أمس بين "التيار الوطني الحر" وحركة "امل" و"حزب الله" على اعتماد النسبية الكاملة في قانون الانتخاب، علماً ان دون التوافق السياسي العريض على هذا الخيار الكثير من العقبات والمطبات وليس اقلها وجود اتجاهات وازنة مقابلة لاعتماد النظام المختلط بين النسبي والأكثري وفي مقدم القوى التي ترفع لواء المختلط "تيار المستقبل" والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب "القوات اللبنانية". واذا كانت جولة وفود "التيار الوطني الحر" على مختلف القيادات لم تفض الى بلورة أرضية ناضجة بعد لتفاهم الحد الأدنى على طبيعة القانون الذي سيكون في مقدم أولويات الحكومة الجديدة، فإن ما استوقف المعنيين بمتابعة هذا التحرك هو ان اللقاء الذي جمع في عين التينة امس الاطراف الثلاثة بدا بمثابة استباق لهذا الاستحقاق بإعلان نهائي لتبنيهم النظام النسبي كاملاً. وأوضح النائب ابرهيم كنعان ان "التيار الوطني الحر وتكتل التغيير والاصلاح ينطلقان من النسبية الكاملة كنظام وحيد يؤمن تمثيل الجميع"، بينما شدّد عضو "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب علي فياض على "وحدة الموقف بين التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله في ما يتعلق بالنسبية الكاملة"، معتبراً ان "المشكلة ليست عند هذه القوى بل في مكان آخر ولذا كان البحث في كيفية العمل لدفع النسبية الكاملة الى الأمام".
وفي غضون ذلك، لم تبرز أي مؤشرات جديدة للجمود الذي اصاب المساعي لحلحلة عقد تأليف الحكومة، فيما غادر الرئيس المكلف سعد الحريري بيروت بعد ظهر أمس الى المملكة العربية السعودية في زيارة خاصة.
برًي
وكانت لرئيس مجلس النواب نبيه بري مواقف جديدة عكست بعضاً من التأزم الحاصل اذ ردد أمام زواره "اننا اتفقنا على حكومة من 30 وهم تراجعوا، تحت عنوان ان الحكومة انتقالية. ومن المعروف ان ثمة 6 وزراء دولة ولكل طائفة وزير. وأسأل لِمَ هذا الكرم علينا بتخصيصنا بوزيري دولة؟ من خلال هذا الامر يحاولون عن قصد أو عن غير قصد اعادتنا الى أيام البكوات. وهذا الموضوع نحن لا نمزح فيه. دلوني اذا سمحتم على طائفة أو أي فريق يحصل على وزيري دولة وأنا أمشي معه. ويأخذ غيرنا حقائب مكتملة، فليسمحوا لنا. ولاحظت ان هناك فريقاً لم يحصل أو لم تستند اليه حقيبة دولة. انظروا الى السنة والمسيحيين. وأنا في المناسبة ليس من أخلاقياتي التحدث بهذه اللغة لكننا أجبرنا على هذا الكلام".
وأضاف: "اذا اعتقدوا أنهم بتساهلنا في التشكيل يمونون علينا ويرمون علينا وزارات دولة فهم اخطأوا في العنوان. في حكومة الـ 24 طالبت بخمس حقائب فكيف يعطوننا أربعاً زائد وزارتي الدولة في الـ 30؟".
وعن المشكلة في عرقلة التأليف قال بري إن "المشكلة ليست عندنا، سهلنا الى أبعد الحدود وأقول لمن يشكك ويروج أخباراً غير دقيقة ان علاقتي بالرئيس عون ممتازة والامر نفسه ينسحب على الرئيس الحريري، واذا كان من أحد يساوره الشك فليذهب ويسألهما. أنا أعرف حقيقة أين هي المشكلة. لا تستفزوني وإلّا أعلنتها صراحة وقلت كل الحقيقة". وتساءل: "هل صار الكلام عن النسبية جريمة؟ لو أردت أن أحرّك الشارع فهو حاضر. وصدقوا أنا من يطلب من الجمعيات الشبابية والنسائية وصولاً الى "طلعت ريحتكم" وأعمل على تهدئة الخواطر والحؤول دون تحركات في الشارع للمطالبة بالنسبية".
وسئل لماذا لا يتم التصويت في مجلس النواب على رفض قانون الستين والبراءة منه؟
أجاب: "أخشى ان يثبت الستين لان سيوف الاكثرية عليه وقلوبهم معه".
الكتائب
في المقابل، دعا رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل المعنيين بتأليف الحكومة الى "اعتماد معيار واضح وتطبيقه على الجميع"، مشيراً الى ان الكتائب "ترضى بأي معيار يتم تحديده واذا كان المعيار هو التمثيل الشعبي فلنؤلف حكومة تكنوقراط وبعدها تجري الانتخابات النيابية وتحدد الأحجام". ولاحظ ان "فوضى التشكيل من دون معايير جعلت كل طرف يحدد ما يحق له". أما في قانون الانتخاب، فكرر ان موقف الحزب هو مع قانون الدائرة الفردية.